هل تستخدم موسكو ورقة الغاز؟ «2»
عودا على بدء ذكرت في المقال السابق أن التصعيد ما زال مستمرا في الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، والعالم يترقب بقلق شديد تبعات هذا التصعيد وآثاره في العالم بأسره التي عبرت الحدود إلى أبعد مما توقع البعض، ويلمس العالم آثارها الاقتصادية في كثير من الأنشطة وعلى رأسها بلا شك قطاع الطاقة. عرجت على أهمية روسيا في خارطة الطاقة العالمية وأهمية تدفق الإمدادات من شرايين الطاقة الروسية كونها ثاني منتج للنفط الخام في العالم بنحو 11 مليون برميل يوميا، وبصادرات تبلغ نحو سبعة ملايين برميل يوميا، وكونها كذلك أكبر مصدري الغاز في العالم بما يقارب 238.1 مليار متر مكعب بفارق كبير عن أقرب منافسيها الولايات المتحدة التي تحل في المرتبة الثانية بنحو 137.5 مليار متر مكعب.
ما زال بعض دول أوروبا يحمل راية المطالبة بإضافة مزيد من العقوبات الاقتصادية على روسيا وعلى رأسها حظر صادراتها النفطية، وقد وضحت في المقال السابق بالأرقام أن الدول التي تقود هذا التوجه وتدفع جاهدة لتحقيقه هي الدول الأقل اعتمادا على مصادر الطاقة الروسية. صرحت ألمانيا وهي من أكثر الدول اعتمادا على روسيا في مجال الطاقة، حيث تستورد من النفط الروسي نحو 800 ألف برميل يوميا، ما يعادل 30 في المائة من استهلاكها، صرحت أنها تعمل على تعويض النفط والغاز الروسيين مستقبلا، وهنا أضع خطا عريضا تحت كلمة مستقبلا. هذا يعني في رأيي أن ألمانيا تعلم يقينا أنه حتى إن رغبت فعلا في وقف اعتمادها كليا عن شرايين الطاقة الروسية إلا أن ذلك مستحيل على المدى القصير، ومعقد على المدى المتوسط، وصعب على المدى البعيد، خصوصا لصعوبة إيجاد بديل ذي تكلفة مماثلة للنفط والغاز الروسيين أو مقاربة له.
بنظرة استشرافية لا تغفل أي احتمال، ماذا لو نجحت الدول الأوروبية المتصدرة لمشهد العقوبات على روسيا؟ ماذا لو نجحت بأي طريقة كانت في حظر استيراد النفط الروسي كليا؟ هل ستبقى روسيا مكتوفة الأيدي أم ستستخدم ورقة الغاز والعمل بالمثل؟ ومن المتضرر الأكثر في حال حدوث هذا السيناريو المستبعد من وجهة نظري الشخصية؟ الجدير بالتنويه أن الغاز الروسي بالغ الأهمية لأوروبا، حيث إن إمدادات الغاز الروسية عبر خط أنابيب "نورد ستريم 1" وخط أنابيب "يامال" تشكل 40 في المائة من استهلاك أوروبا للغاز، ويشكل الغاز الروسي نحو 12 في المائة من استهلاك كل من إيطاليا وهولندا، أرى أن جدية بعض دول أوروبا لحظر النفط الروسي قد تؤول إلى حظر النفط الروسي بصورة جزئية على المدى القصير، لكن إن فرضنا جدلا أنها استطاعت تحقيق الحظر الكامل، فأتوقع أن روسيا ستقفل صمامات الغاز وتقطعه عن أوروبا كإجراء ستصفه بالتعامل بالمثل، وهذا بلا شك وأعني هنا حظر الصادرات النفطية الروسية والغاز ذلك سيدخل أسواق الطاقة العالمية وإمداداتها في دوامة عنيفة، ومشكلة حقيقية ستؤثر في الاقتصاد العالمي الذي لا يعيش أفضل حالاته وما زال يترنح بسبب ضربة كورونا التي أخلت بتوازنه. أستبعد حدوث ذلك والوصول إلى هذا الحد المقلق في هذا الملف، لكن قد يستخدم الطرفان شرايين الطاقة كورقة ضغط قوية قد تؤتي أكلها.