لماذا لدينا دورات في الأسواق؟

لماذا لدينا دورات في الأسواق؟

لقد عشت "وعلمتني" عدة دورات مهمة خلال أعوام عملي مستثمرا. ومع ذلك، عندما كنت في نحو ثلثي طريقي من تأليف كتابي الأخير، ظهر سؤال لم أفكر فيه من قبل: لماذا لدينا دورات؟
بعد التفكير في هذا السؤال لفترة، استقريت على ما عده التفسير، التجاوزات والتصحيحات. لو كانت سوق الأوراق المالية عبارة عن آلة، فقد يكون من المعقول توقع أداء متسق منها بمرور الوقت. بدلا من ذلك، فإن التأثير الكبير لعلم النفس على عملية صنع القرار لدى المستثمرين يفسر إلى حد كبير تقلبات السوق.
يعلم الجميع - أو ينبغي أن يعلموا - أن حالات الارتفاع في سوق الأسهم يتبعها عموما انخفاضات بنسبة 20 - 50 في المائة. ومع ذلك، حالات الارتفاع تحدث وتتكرر، مدفوعة بتصديق ما ليس صحيحا بشكل طوعي ومؤقت.
تتميز الأسواق الصاعدة، بحكم تعريفها، بالوفرة والثقة والسذاجة والرغبة في دفع أسعار مرتفعة ثمنا للأصول - كل ذلك عند مستويات يتبين عند الرجوع إلى الماضي أنها كانت مفرطة. لقد أظهر التاريخ بشكل عام أهمية الحفاظ على الأسواق في مستوى معتدل. لهذا السبب، في الأغلب ما يعتمد المنطق الفكري أو العاطفي للسوق الصاعدة على شيء جديد لا يمكن استخدام التاريخ لاستبعاده.
فكر في مجموعة "فامج" FAAMG "فيسبوك وأبل وأمازون ومايكروسوفت وجوجل"، التي تتمتع بمستوى من الهيمنة على السوق والقدرة على التوسع لم يسبق لهما مثيل.
لقد اجتذب الأداء الدراماتيكي لمجموعة فامج في 2020 انتباه المستثمرين ودعم اتجاها واسعا نحو الصعود. وبحلول أيلول (سبتمبر) 2020، تضاعفت هذه الأسهم تقريبا من أدنى مستوياتها في آذار (مارس) وارتفعت 61 في المائة عما كانت عليه في بداية العام. والجدير بالملاحظة، أن هذه الأسهم الخمسة لها وزن كبير في مؤشر إس آند بي 500، لذلك أسفر أداؤها عن مكاسب عامة جيدة للمؤشر، لكن هذا صرف الانتباه عن الأداء الأقل إثارة للإعجاب للأسهم الـ495 الأخرى.
أو فكر في العملة المشفرة. لقد كانت عملة البيتكوين موجودة منذ 14 عاما لكنها وجدت في وعي معظم الناس منذ نحو خمسة أعوام فقط. هذا يناسب الوصف المتشكك لعالم الاقتصاد جون كينيث جالبريث لأنواع الابتكار المالي في الأسواق الصاعدة، التي من المفترض أن الأجيال السابقة "لم تكن لديها البصيرة لتقديرها". تمتعت عملة البيتكوين بارتفاع كبير في الأسعار من خمسة آلاف دولار في 2020 إلى مستوى عال بلغ 68 ألف دولار في 2021، قبل أن تتراجع هذا العام إلى نحو 24 ألف دولار.
أضاف الأداء المذهل للعملات المشفرة و"الأسهم الفائقة" - وكذلك أسهم التكنولوجيا بشكل عام - في العامين الماضيين إلى تفاؤل المستثمرين العام، ما مكنهم من تجاهل المخاوف المتعلقة باستمرار الجائحة والمخاطر الأخرى.
النفور من المخاطرة والخوف من الخسارة هما ما يحافظ على سلامة الأسواق وعقلانيتها. لكن عندما تسخن الأسواق الصاعدة، في الأغلب ما يخرج الحذر والانتقائية والانضباط من النافذة. ويميل الاتجاه الصعودي إلى المبالغة في مزايا الفائزين في السوق الصاعدة. ويؤدي هذا إلى دفع أسعار الأوراق المالية إلى مستويات مفرطة وبالتالي هشة - لأن التأرجح الصعودي لا يدوم إلى الأبد.
غالبا ما نشهد تطورات أساسية سلبية تتراكم لبعض الوقت، دون أي رد فعل من جانب أسعار الأوراق المالية. لكن بعد ذلك يتم الوصول إلى نقطة تحول - سواء أكانت أساسية أو نفسية – وتنعكس فجأة الأسعار في الكومة بأكملها، وأحيانا إلى حد الإفراط. وفي الأغلب ما تشهد الأسهم التي ارتفعت أكثر في أعوام الصعود أكبر انخفاضات في أعوام الهبوط.
قد يعتقد بعض الناس أن أسعار الأصول تدور حول الأساسيات، لكن الأمر ليس كذلك بالتأكيد. فلو تم تحديد أسعار السوق بإجماع من المستثمرين الأذكياء بناء على الأساسيات، فلماذا إذن انخفض عديد من أسهم التكنولوجيا، الرقمية، الابتكارية المحلقة عاليا في السابق بهذه النسب الكبيرة في الأشهر الأخيرة؟ هل تعتقد حقا أن قيمة عديد من الشركات تراجعت بأكثر من النصف في هذه الفترة الوجيزة؟
يعتمد سعر الأصول على الأساسيات وكيف ينظر الناس إلى هذه الأساسيات. لذا فإن التغيير في سعر الأصل يعتمد على تغيير في الأساسيات أو تغيير في كيفية رؤية الناس لتلك الأساسيات، أو الاثنين معا. المواقف تجاه الأساسيات هي نفسية عاطفية، ولا تخضع للتحليل أو التنبؤ، وقادرة على التغير بشكل أسرع وأكثر دراماتيكية من الأساسيات نفسها.
لا يتعلق أي من اتجاهات السوق التي ناقشتها على وجه الحصر بالتطورات الأساسية. بل إن أسبابها نفسية إلى حد كبير، ومن غير المرجح أن تتغير الطريقة التي يعمل بها علم النفس. لهذا السبب أنا متأكد من أنه طالما انخرط البشر في عملية الاستثمار، فسنرى هذه الاتجاهات تتكرر مرارا وتكرارا.

*المؤسس المشارك ورئيس مجلس الإدارة المشارك لشركة أوك تري كابيتال مانجمنت ومؤلف كتاب "إتقان دورة السوق: جعل الأرجحيات تعمل لصالحك".

الأكثر قراءة