سباق العلم والبكتيريا .. اللقاحات قادرة على كبح مقاومة المضادات الحيوية
غالبا ما يتم تصوير المعركة ضد مقاومة المضادات الحيوية بحسبانها سباقا بين علم الأدوية وتطور البكتيريا. لكن خبراء الصحة الذين يؤكدون أن الوقاية خير من العلاج، يشيرون إلى أن إمكانات اللقاحات في مكافحة العدوى المقاومة للأدوية كثيرا ما يتم تجاهلها والتغافل عنها.
من بين أنواع البكتيريا الستة المسؤولة عن معظم الوفيات المرتبطة بمقاومة الأدوية - مجموع 929 ألف حالة وفاة سنويا - هناك لقاح مرخص لواحدة فقط من هذه الأنواع، البكتيريا العقدية الرئوية التي يمكن أن تسبب الالتهاب الرئوي وأمراضا أخرى.
يقول البروفيسور كالمان ماكلينان، وهو مختص في علم المناعة في جامعة أكسفورد ويدير شبكة باكتيفاك العالمية للقاحات، "على الرغم من أن العاملين منا في هذا المجال يقدرون أن اللقاحات هي حقا الطريق الصحيح للتعامل مع "مقاومة المضادات الحيوية"، إلا أنها لم يتم تقديرها بشكل صحيح في الواقع في المجتمع العلمي ككل".
يضيف، "هناك أدوات محدودة لمكافحة مقاومة مضادات الميكروبات AMR، "مصطلح آخر لمقاومة المضادات الحيوية" في الوقت الحالي، لذا يجب علينا الاستفادة بشكل أفضل من اللقاحات".
اللقاحات المعتمدة تتوافر لثلاثة من أصل 12 نوعا من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية الموجودة على قائمة منظمة الصحة العالمية، المسماة "مسببات الأمراض ذات الأولوية"، وهي البكتيريا العقدية الرئوية، والبكتيريا المستدمية النزلية، والسالمونيلا.
لكن الأسعار المرتفعة والبنية التحتية الطبية السيئة في الأغلب ما أعاقتا الاستفادة منها في الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل، حيث تكون اللقاحات المتاحة مطلوبة بشدة لمعالجة تفشي مقاومة مضادات الميكروبات، المدفوع بالإفراط في استخدام المضادات الحيوية.
أثبت لقاح المستدمية النزلية النوع ب، الذي يعطى للأطفال بعد الولادة بفترة وجيزة لحمايتهم من المستدمية النزلية، التي يمكن أن تسبب التهاب السحايا، أنه الأكثر نجاحا، حيث أدى إلى انخفاض حاد في الإصابات في 192 دولة منذ أن تم استخدامه لأول مرة في 1992. تقدر منظمة الصحة العالمية أن نسبة الاستفادة منه على مستوى العالم 70 في المائة في 2020. يعني ذلك أن عددا أقل من حالات العدوى المتبقية مقاومة للأدوية، نظرا لأن استخدام المضادات الحيوية أقل.
يوضح مارتن بليزر، أستاذ الطب وعلم الأمراض والطب المخبري في جامعة روتجرز في نيوجيرسي، أن "ما يزيد من المقاومة هو تلك المضادات الحيوية التي نعطيها للأطفال، لذلك كان للقاح المستدمية النزلية النوع ب تأثير كبير. كانت المستدمية النزلية النوع ب مشكلة كبيرة بين الأطفال الصغار وقد تم تقليصها تقريبا، بفضل الحصول على الخدمات اللوجستية ونشر عملية إطلاق اللقاحات بشكل صحيح".
على النقيض من ذلك، توقفت جرعة الالتهاب الرئوي في الأعوام الأخيرة. في الفترة من 2010 إلى 2015، زادت التغطية من 11 إلى 37 في المائة. لكن في الأعوام الخمسة حتى 2020، ارتفعت 12 نقطة مئوية فقط، لتصل إلى 49 في المائة.
يشعر ماكلينان بالقلق من أن عملية إطلاق اللقاحات يمكن أن "تتوقف على المدى الطويل" - على الرغم من أن الدعم من التحالف العالمي للقاحات والتحصين "جافي" منذ 2009 بلغ 3.3 مليار دولار – مشيرا إلى أن "أقل من 50 دولة لم تقدمها بعد".
في كثير من الأحيان، ينتهي الأمر في الدول الأفقر غير المؤهلة للحصول على دعم من تحالف جافي إلى "السقوط بين الشقوق"، وفقا لألان كروس، أستاذ الطب في جامعة ماريلاند.
يقول، "فيما يتعلق بالجرعة، المشكلة الأكبر، بالطبع، هي تكلفتها"، مضيفا، "يتعين على الحكومات أن تزن تكلفة اللقاح مع مقدار التغطية التي ستحصل عليها".
تم بيع بريفنار، وهي جرعة من إنتاج شركة فايزر تغطي 13 من سلالات الالتهاب الرئوي البكتيري، بشكل خاص مقابل 211 دولارا للجرعة – حقق ذلك 5.9 مليار دولار لمجموعة الأدوية الأمريكية في 2020. كانت الجرعة هي الأكثر مبيعا للشركة حتى أطلقت لقاح كوفيد - 19 مع شركة الأدوية الألمانية بيونتيك. تمكن تحالف جافي وغيره من المؤسسات الخيرية من الحصول على اللقاح بأسعار مخفضة للغاية تبلغ عشرة دولارات. يتم توفير حقنة ضد الالتهاب الرئوي من إنتاج "سيروم إنستيتيوت" الهندي إلى تحالف جافي مقابل دولارين فقط للجرعة. أخيرا، وافق منظمو الأدوية في الولايات المتحدة وأوروبا على نسخة جديدة من اللقاح تغطي 20 سلالة.
مع ذلك، لم تقدم الصين بعد لقاح المستدمية النزلية من النوع ب أو لقاح الالتهاب الرئوي الجرثومي. يقول ماكلينان، "هذه مشكلة. إذا كان لديك بلد لا يقدم اللقاحات، فإنك بالتأكيد تفضل ألا يكون البلد الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم". خلصت دراسة أجراها باحثون في جامعة ووهان إلى أن الإفراط في استخدام المضادات الحيوية في الصين يمثل "مشكلة صحية عامة خطيرة".
في الوقت نفسه، يعيق التمويل غير الكافي للبحث والتطوير، وكذلك التحديات أمام إجراء تجارب بشرية واسعة النطاق، خط إنتاج القاحات البكتيرية المستقبلية.
لقاحات بعض أنواع العدوى المقاومة للمضادات الحيوية - بما في ذلك الشيغيلا، والإشريكية القولونية، والسالمونيلا غير التيفية - تتمتع جميعها "ببحث وتطوير متقدمين بدرجة كافية" تجعل طرحها في السوق احتمالا واقعيا على المدى القصير إلى المتوسط، وفقا لتقرير صدر في 2018 بتكليف من مؤسسة ويلكم ترست الخيرية الطبية.
مع ذلك، يحذر كروس من وجود عقبة خطيرة واحدة، "لدى عدد من هؤلاء الفرصة للنجاح، لكن العقبة الكبيرة أمام كل هذا هي كيفية اختبار فعاليتها لأنه، على عكس الإنفلونزا أو غيرها من سيناريوهات العدوى الجماعية، لا توجد حالات كافية لإجراء التجارب السريرية القياسية".
من الأمثلة على ذلك جرعة الشيغيلا، وهي نوع من البكتيريا يسبب الديسنتاريا عادة. تم اختباره في تجارب العدوى البشرية الخاضعة للرقابة في 2015، حيث أصيب متطوعون عمدا بالعدوى، وتم إعطاء نصف المجموعة المكونة من 60 شخصا اللقاح والبقية علاجا وهميا. أظهرت النتائج المنشورة في "آي بايو ميدسين" انخفاضا 51 في المائة في الأعراض، بما في ذلك الحمى والإسهال، وانخفاضا 70 في المائة في الإسهال الحاد.
مع ذلك، يعتقد الخبراء أن حقنة الشيغيلا المرخصة بالكامل على بعد عقد على الأقل. يقول بلاسر، "لقد عمل الناس على لقاحات الشيغيلا على مدار الـ50 عاما الماضية، لذا فهي ليست وشيكة". لكنه يعتقد أن نجاح لقاحات كوفيد - 19 قد "غير اللعبة حقا" من خلال إظهار ما هو ممكن في فترة زمنية قصيرة مع المستوى المناسب من الاستثمار.
يضيف بلاسر، "إن تطوير لقاحات جديدة يكلف كثيرا، لذا فإن كثيرا من هذه اللقاحات سيتطلب دعما حكوميا لتطويرها"، مشيرا إلى أن الأسلحة الجديدة ضد العدوى المقاومة للمضادات الحيوية لا يمكن أن تأتي قريبا بما يكفي.
وحذر من أن "المضادات الحيوية كانت معجزة عظيمة عندما تم تقديمها في الأربعينيات من القرن الماضي، وكنا نحفر حفرة في المقاومة منذ 75 عاما. الحفرة تزداد عمقا وما نحتاج إلى القيام به هو البدء في ملء الحفرة، واللقاحات جزء مهم لإخراجنا من تلك الحفرة".