سوق الكربون .. طريق الأثرياء إلى محفظة أكثر اخضرارا

سوق الكربون .. طريق الأثرياء إلى محفظة أكثر اخضرارا
زراعة الغابات والمساحات الخضراء وسيلة لتقليص البصمة الكربونية.

سوق الكربون، التي كانت في السابق سوقا متخصصة تجتذب الآن أثرياء يبحثون عن طريقة جديدة لكسب المال، ومع تزايد مخاوف المجتمع بشأن تغير المناخ، فهي أيضا توفر لهم طريقا محتملا إلى محفظة أكثر اخضرارا.
يهتم الأثرياء ومديرو أموالهم الآن بسوق تعويضات الكربون، تلك الوحدات المثيرة للجدل، التي تستخدمها المؤسسات للتعويض عن انبعاثاتها. ويتداول بعض مستثمري القطاع الخاص أيضا في ائتمانات الكربون في الاتحاد الأوروبي- وهي وحدات خاضعة للتنظيم تحظى بشعبية لدى المستثمرين المؤسسيين- التي تلتزم بعض الشركات المسببة للتلوث، بموجب القانون الأوروبي، بشرائها لكي يسمح لها بإطلاق انبعاثات كربونية.
أحد عوامل الجذب في سوق الكربون سريعة النمو هذه يتمثل في الإمكانية، التي توفرها لكسب المال من فئة أصول جديدة نسبيا غير مرتبطة على نطاق واسع بأصول أخرى. وفقا لكارين إيرمل، المديرة المساعدة للاستثمار المسؤول في بنك كوتس الخاص في لندن، هذه "سوق متنامية"، على الرغم من أنها حاليا أقل شعبية لدى العملاء، مقارنة بالاستثمارات الجديدة الأخرى، كالعملات المشفرة والرموز غير القابلة للاستبدال.
لكن في ضوء الضغط المتزايد على المؤسسات المالية، لتكون أكثر وعيا بالمناخ في ممتلكاتها، يبدو أن كثيرا من المستثمرين الأثرياء حريصون على استخدام تعويضات الكربون لجعل محافظهم تبدو أكثر اخضرارا. تقول عائلة بليجينبيرج، التي استثمرت أكثر من مليون يورو مع شركة تعويض الكربون، دتش جرين بزنس، المدرجة في بورصة يورونكست، إن ما جذبها هو "مزيج من النمو الهائل المتوقع والغرض الأساسي المتمثل في مساعدة الطبيعة، وهي الأصل الأكثر قيمة على كوكبنا". تضيف أن "قطاع الحفاظ على الطبيعة والبيئة والتنوع البيولوجي هو سوق بمليارات الدولارات وقد أكمل القطاع للتو عامه السابع من النمو على التوالي".
بشكل مشابه، استحوذت عائلة ريتالاك الثرية العام الماضي على 3 في المائة من أصول "دتش جرين"، التي قالت إن هناك "احتمالا لأن تصبح أول شركة عملاقة في هذه السوق سريعة النمو". تقول إيمي كلارك، كبيرة مسؤولي التأثير في شركة ترايب إمباكت كابيتال لإدارة الثروات في لندن، إن "تشديد الأنظمة والسياسات التنظيمية المرتبطة بأزمة المناخ يعني أن المستثمرين أصبحوا بسرعة على دراية بجاذبية الكربون".
ارتفعت أسعار الأصول المرتبطة بالكربون بشكل حاد في الـ18 شهرا الماضية، وسط انتشار الالتزامات الصفرية الصافية من جانب الشركات والحكومات. فقد تضاعف سعر الائتمانات المتداولة بموجب نظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي "إي تي إس" في العام المنتهي في كانون الثاني (يناير) إلى 89 يورو للطن، على الرغم من انخفاض الأسعار بشكل كبير بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا. في الوقت نفسه، ارتفعت ما تسمى التعويضات القائمة على الطبيعة، كتلك الناتجة عن برامج غرس الأشجار، من 4.65 دولارا للطن من الكربون إلى أكثر من 14 دولارا بين حزيران (يونيو) 2021 ونيسان (أبريل) من هذا العام، وفقا لـ"إس آند بي جلوبال بلاتس".
لكن مع تحذير العلماء من أن الانبعاثات يجب أن تنخفض بسرعة حتى يتجنب العالم أسوأ الأضرار الناجمة عن تغير المناخ - وهي إشارات يبدو أن صانعي السياسات يعترفون بها - يتوقع محللون أن يستمر سعر الأصول المرتبطة بالكربون في الارتفاع وأن تصبح أسواق الكربون أكثر سيولة. تقول كاترين هامبتون، مديرة الاستثمار المستدام في شركة كازينوف كابيتال لإدارة الثروات الموجودة في لندن، إن العملاء "المهتمين بالتمويل" - أولئك الذين يعطون الأولوية للعائدات – مهتمون بائتمانات نظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي بسبب "الاعتقاد بأن سعر الكربون سيستمر في الارتفاع".
ويستهدف نظام الائتمانات مساعدة الاتحاد الأوروبي في تقليل التلوث وتحقيق هدفه المتمثل في صافي صفر انبعاثات كربونية بحلول 2050.
يقول جيمس بورسيل، رئيس مجموعة الاستثمار المستدام في شركة كوينتت ـ مقرها لوكسمبورغ ـ إن شركة إدارة الثروات تلقت "سلسلة من الاستفسارات" من العملاء ذوي الملاءة العالية حول ائتمانات الاتحاد الأوروبي في الفترة التي سبقت مؤتمر الأمم المتحدة كوب 26 بشأن تغير المناخ في العام الماضي. وحتى الآن، كما يقول، هؤلاء المستثمرون الباحثون عن عوائد، حققوا عوائد كبيرة. خلال تشرين الثاني (نوفمبر) وحده، عندما عقد مؤتمر كوب26، ارتفع سعر ائتمانات الاتحاد الأوروبي من 57 يورو إلى 75 يورو، وبحلول أواخر نيسان (أبريل) كان 87 يورو.
ويتوق بعض العملاء الأثرياء الأقل اهتماما بالعائدات المالية إلى التحدث عن أوراق اعتماد الاستدامة الخاصة بهم من خلال شراء واستخدام تعويضات الكربون، بدلا من المتاجرة بها. ويتم إنشاء التعويضات من خلال مشاريع مثل مبادرات حماية الغابات. ومن المفترض أن تمثل كل وحدة طنا من انبعاثات الكربون التي تم تجنبها أو إزالتها بشكل دائم من الغلاف الجوي، على الرغم من وجود مخاوف من عدم الوفاء بهذا الشرط دائما.
يقول ستيفان مونييه، كبير مسؤولي الاستثمار في بنك لومبارد أودييه الخاص في جنيف: "إننا نشهد اهتماما متزايدا من المستثمرين المؤسسيين للاستثمار في ائتمانات الكربون والتعويضات للوفاء بالتزاماتهم الصفرية الصافية". وتقول كازينوف إن عملاءها المدفوعين بالتأثير يهتمون عادة بالتعويضات أكثر من اهتمامهم بائتمانات نظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي. ويكمن إغراء هذه الوحدات في الجانب الأخلاقي: العديد من المستثمرين يرغبون في استخدامها للتعويض عن الانبعاثات المرتبطة بمحافظهم، لجعل ممتلكاتهم تبدو أكثر صداقة للبيئة.
ما تسمى "الانبعاثات الممولة" تميل إلى تمثيل الجزء الأكبر من البصمة الكربونية للمؤسسات المالية، وتتعرض البنوك وشركات إدارة الأصول والمستثمرون لضغوط متزايدة للإبلاغ عنها وتقليلها.
من بين مشتري التعويضات المعروفين المؤسس المشارك لـ"مايكروسوفت" بيل جيتس. فقد اعتاد المستثمرون الأثرياء على أن تقدم لهم تعويضات الكربون عند حجز الرحلات أو التسوق عبر الإنترنت. يقول بورسيل: "نرى الآن أن الطلب يترجم إلى منتجات مالية. فبصفتك مالكا للأسهم، فأنت تمتلك جزءا من التدفق النقدي وجزءا من انبعاثات الكربون. لقد رأينا عملاء يريدون تعويض تلك الانبعاثات المملوكة من خلال تعويضات الكربون الطوعية لتحقيق تأثير في العالم الحقيقي".
يتنامى أيضا تداول السوق الثانوية في التعويضات، وكذلك اهتمام المستثمرين المؤسسيين بتطوير مشاريع التعويض. ومع ذلك، سوق التعويضات غير منظمة، ويقول النقاد إن الوحدات غالبا لا تحقق حقا الفوائد المناخية التي تعد بها.
يشير الناشطون والباحثون في مجال البيئة إلى أن الأسعار المنخفضة التي يمكن للشركات شراء تعويضات بها - يتوافر كثير منها مقابل عشرة دولارات أو أقل - قد تمنع الشركات من القيام بالعمل الشاق لتقليل التلوث الخاص بها. وقد شددت بعض المجموعات مثل مبادرة "ساينس بيسد تارجتس"، على وجوب استخدام التعويضات فقط للتعويض عن الانبعاثات الرسوبية التي لا يمكن القضاء عليها.
يشير المنتقدون أيضا إلى المشكلات المرتبطة بتعويض المشاريع نفسها: في الولايات المتحدة اشتعلت النيران في الغابات، التي تولد التعويضات، التي اشترتها شركات مثل بريتيش بتروليوم ومايكروسوفت العام الماضي، وذلك عندما اندلعت حرائق الغابات في واشنطن وأوريجون. مع ذلك، لا يزال الاهتمام بالوحدات مستمرا في النمو. وقد أدت الزيادة الكبيرة في الطلب إلى ارتفاع سعر التعويضات على مدار الـ18 شهرا الماضية، على الرغم من أنها لا تزال أرخص بكثير من ائتمانات نظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي.
في الوقت نفسه، تظهر منتجات استثمارية جديدة أدت إلى تعزيز الطلب، مثل صناديق "تعويض الكربون"، تقول شركة كازينوف إنها تشتري التعويضات من أجل التعويض عن الانبعاثات المرتبطة بالأسهم في صندوقها المستدام – وهي الانبعاثات الممولة التي يتحمل المستثمرون مسؤوليتها. وتدفع كازينوف، وليس عملاؤها، مقابل التعويضات "كدليل على التزامنا بالاستثمار من أجل كوكب أفضل". وفي الوقت ذاته، أطلقت كوينتيت صندوقا يستثمر في "الشركات منخفضة الكربون" ويعوض عن الانبعاثات المرتبطة بهذه الاستثمارات. واجتذب الصندوق 300 مليون يورو من التدفقات الداخلة في الأسابيع الأربعة الأولى.
ومن أجل تهدئة المخاوف بشأن جودة التعويضات، تقوم الشركات الوسيطة المتخصصة مثل "هاودين" بتطوير منتجات التأمين. يقول تشارلي لانجديل، رئيس قسم مخاطر المناخ والمرونة لدى شركة الوساطة: "إننا نشهد اهتماما متزايدا، من المشترين والبائعين، باستخدام التأمين للحماية من إبطال تعويض الكربون بسبب عوامل مثل الاحتيال والإهمال والكوارث الطبيعية".
ويقول فريد كويج، كبير مسؤولي الاستثمار في ترايب، إن التدقيق المتزايد عبر انبعاثات المحافظ أوجد خطرا قد يرغب الأشخاص الذين لديهم استثمارات تتسبب بالانبعاثات في التحوط منه باستخدام أسواق الكربون. فيما يقول منير، من لومبارد أودير، إن الاهتمام المتزايد بالتعويضات أوجد تحديا يتمثل في تلبية هذا الطلب.
وكما هي الحال مع الاستثمار في الاستدامة على نطاق أوسع، يسعى مديرو الأموال المتداولون في أسواق الكربون إلى تحقيق عوائد مالية، لكنهم يأملون أيضا في أن يكون لهم تأثير إيجابي في العالم، أو على سمعتهم، أو كليهما. تقول عائلة بليجينبيرج: "إن تعويضات الكربون سلعة جديدة واتجاه يتصاعد. إننا بالفعل ندعم الهدف من دتش جرين".

الأكثر قراءة