جاذبية المباني الجديدة في لندن تترك المكاتب القديمة فارغة

جاذبية المباني الجديدة في لندن تترك المكاتب القديمة فارغة

مضى أكثر من عامين منذ أغلق الوباء لأول مرة المكاتب في المملكة المتحدة، ولا يزال نصفها فارغا حتى الآن. فلماذا يتمتع أصحاب العقارات في البلاد بمزاج جيد؟
قال توبي كورتولد، الرئيس التنفيذي لشركة جي بي إي للتطوير، التي تركز على لندن، الخميس، إن شركته استأجرت مساحة عمل قياسية، "باختصار، لقد كان عاما قويا للغاية".
قبل ذلك بيوم واحد تفاخر سيمون كارتر، رئيس شركة بريتش لاند، المدرجة في مؤشر فاينانشيال تايمز 100، بما وصفه بأكبر اهتمام بمكاتب الشركة في لندن خلال عشرة أعوام، حيث حصل ثلاثة مستأجرين فقط على مساحة تجاوزت 700 ألف قدم مربعة العام الماضي.
هؤلاء المستأجرون - ميتا، الشركة الأم لفيسبوك، ووكالة العقارات جي إل إل، وشركة المحاماة ألين آند أوفري - تشارك في حرب شرسة من أجل المواهب ولديها أهداف طموحة للحد من انبعاثات الكربون. الشيء نفسه ينطبق على شركة الأسهم الخاصة كيه كيه آر، التي استأجرت أخيرا مبنى جديدا من "جي بي إي".
قال كورتولد، إن الجميع مستعدون للدفع مقابل المكاتب التي تساعدهم على المضي قدما. أضاف، "الإيجار كتكلفة تشغيل لشركة في وسط لندن يراوح ما بين 7-8 في المائة. لم يكن أبدا العامل الأكثر أهمية. هذه هي جودة المساحة التي توفرها لموظفيك".
1 في المائة فقط من مخزون المكاتب في لندن هو الذي يفي بأعلى المعايير البيئية، وفقا لشركة كوستار لتزويد بيانات العقارات، وهناك تسعى الشركات الكبيرة للحصول على مواقع لها. وبالنسبة إلى شركة جي إل إل، جاي جرينجر، رئيس قسم الاستدامة فيها، هو الذي قاد عمليات البحث عن مكتب للشركة.
قال جرينجر، "لقد استغرق الأمر عامين للعثور على مكتب يمكن تشغيله دون انبعاثات كربونية صافية".
الرهان على استمرار جاذبية مساحات العمل الراقية جعل المستثمرين ـ نحو 90 في المائة منهم من الخارج ـ يضخون 5.5 مليار جنيه استرليني في مكاتب لندن في الربع الأول من العام، وفقا لوكيل العقارات سي بي آر إي.
لقد استهدفوا أكبر وأحدث المباني. تم بيع المقر الرئيس لشركة يو بي إس في لندن، في 5 برودجيت، مقابل أكثر من 1.2 مليار جنيه استرليني، ودفعت "جوجل" مليار دولار لمكتب بالقرب من توتنهام كورت رود.
كل هذا يرسم صورة وردية، لكن جزئية. بعيدا عن الروافد العليا للسوق التي يعمل فيها المطورون المتخصصون، المخاطر شديدة وتتضاعف.
يهدد التحول إلى العمل الهجين بضرب دخل الملاك عن طريق تقليص الطلب على المساحات القديمة، في الوقت نفسه الذي ترتفع فيه التكاليف بسبب ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم والأنظمة البيئية الصارمة بشكل متزايد.
مع ازدياد قتامة توقعات الاقتصاد العالمي، يبحث المستثمرون العقاريون عن ملاذ آمن في الأصول التي تعد آمنة، مثل الإسكان والمرافق اللوجستية - وليس المكاتب المستعملة.
كريس بريت، رئيس أسواق رأس المال في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا في "سي بي آر إي"، قال إن هذه العوامل مجتمعة تضاف إلى "أكبر شاحنة تضرب سوق العقارات المكتبية التي يمكنك تخيلها". واستطرد قائلا، "أنا لا أقول إننا سنواجه حادث تحطم (...) لكن الحقيقة أن هناك توترا".
من المتوقع على نطاق واسع أن ينخفض إجمالي الطلب على المساحات المكتبية، وأن تتحمل المباني القديمة العبء الأكبر. متوسط إشغال المكاتب في المملكة المتحدة ضعيف، عند نحو 28 في المائة، أي نصف مستويات ما قبل الجائحة، وفقا لشركة ريميت للاستشارات. يبدو أن العمل من المنزل بدأ في المملكة المتحدة بشكل أكثر حزما من أي مكان آخر.
عادة ما يتم توقيع عقود إيجار المكاتب لمدة خمسة إلى عشرة أعوام، ما يعني أن انخفاض الإيجار والطلب قد يتلاشى ببطء. قال آندي بايل، رئيس قسم العقارات في المملكة المتحدة في "كيه بي إم جي"، إن أي انخفاض 20 في المائة في المساحة المطلوبة يمكن التحكم فيه على مدى عقد من الزمان.
لكن الانهيار أمر ممكن أيضا. من المرجح أن ينخفض الطلب على المباني القديمة بشكل حاد، بما يصل إلى 30 في المائة، وفقا لإندرانيل كارليكار، رئيس الأبحاث العالمية في "برينسبل ريل استيت إنفستر"، وهي شركة إدارة أصول أمريكية تدير، أو تقدم المشورة بشأن أكثر من 100 مليار دولار من الاستثمار العقاري التجاري.
هذا يعني انخفاض الدخل في وقت تتصاعد فيه التكاليف. يجب على الملاك في المملكة المتحدة تلبية معايير أداء الطاقة الجديدة بحلول 2030 من أجل الاستمرار في تأجير مساحاتهم ـ الأغلبية العظمى تتعثر حاليا.
بحسب كارليكار، مع ارتفاع أسعار الفائدة قد تترك هذه التكاليف بعض مالكي العقارات غير قادرين على سداد ديونهم وتجعلهم في ضائقة. قال، "من غير المحتمل أن يكون هناك سونامي كالأزمة المالية (...) لكن من المعقول أن نتوقع انخفاضا في التقييم إذا وصلنا إلى ركود".
بالفعل، هناك علامات على الطلب على المكاتب الحديثة، وتباين بالنسبة للمخزون القديم. فيما يسمى المباني "الثانوية" في لندن، وصلت معدلات الشغور إلى 12 في المائة، أي ثلاثة أضعاف تلك الموجودة في المخزون "الرئيس" الأحدث، حسب تقديرات كارتر.
وفقا للوكيل العقاري، نايت فرانك، هناك علاوة على الإيجار نسبتها 12 في المائة للمباني الأكثر خضرة.
قال كورتولد، "أعتقد أن أفضل الأماكن انفصلت عن بقية السوق. ماذا يحدث للباقي هو سؤال رائع".
كورتولد والمطورون المتخصصون الآخرون، مثل "لاندسيك" و"ديروينت لندن" و"ويرك سبيس"، متهيئون لانزلاق التقييمات إلى قاع السوق، ما يوفر لهم فرصة لشراء الأصول "العالقة" وتنشيطها.
لكن بعضهم يتوقع أن يظهر الاضطراب في الجزء الأعلى من السوق. أحد المستثمرين الأجانب، الذي أصبح نشطا في لندن في الأعوام الأخيرة، يكافح لقياس قيمة المباني الحديثة نسبيا التي أخلتها "جي إل إل" و"ألين آند أوفر" أثناء انتقالهما إلى مكاتب مبنية حديثا في برودجيت.
قال، "المباني المتروكة هي لغز حقيقي. كانت قيمة مبنى ألين آند أوفري في بيشوب سكوير تبلغ 800 مليون جنيه استرليني. لا يستحق كل هذا".
يوجد في وسط لندن أكبر عدد من المكاتب الحديثة التي يعدها المستثمرون العالميون آمنة. مع ذلك، المباني التي تم بناؤها منذ أكثر من عشرة أعوام - وبالتالي من المحتمل أن تتطلب عملا لتلبية المعايير البيئية - تشكل الجزء الأكبر من المخزون، وفقا لوكالة سافيل.
المدن الأخرى أكثر انكشافا. تكلفة ترقية مبنى في نيوكاسل تعادل إلى حد كبير التجديد في وسط لندن، لكن من المرجح أن يكون الإيجار هناك أقل كثيرا. قال مات أوكلي، رئيس قسم الأبحاث التجارية الأوروبية في سافيل، "سيكون من الصعب على أصحاب العقارات تنفيذ أعمال الترقية".
هذه الأعمال يجب إنجازها قبل 2030. لكن في حين أن كبار المطورين، مثل "بريتيش لاند" و"لاندسيك"، قدروا التكاليف وخصصوا الأموال، إلا أن هناك خمولا في معظم أنحاء السوق.
يقارن بريت الوضع مع قطاع التجزئة، حيث في الأغلب أرجأ الملاك العمليات المكلفة الخاصة بتأهيل مراكز التسوق والمتاجر الكبرى وكانوا سعداء بتحصيل الإيجار، آملين أن يستمر تجار التجزئة حتى مع ازدهار أعمال شركات التجارة الإلكترونية مثل "أمازون".
تداعت قيم العقارات بالتجزئة في النهاية، ما أدى إلى القضاء على المساهمين وأصحاب العقارات في هذه العملية.
قال بريت، مع مزيد من العمل الهجين والتكاليف المرتفعة "في نهاية المطاف سيكون لدينا أطنان من مباني المكاتب الفارغة".

الأكثر قراءة