بعد طول عناء .. الصناديق الكمية تحصد مكاسب غير متوقعة

بعد طول عناء .. الصناديق الكمية تحصد مكاسب غير متوقعة

صناديق التحوط التي تستخدم أجهزة حاسوب قوية لإدارة محافظها تحقق أرباحا هائلة، في ظل الاضطراب الذي تعيشه السوق هذا العام، ما يشير إلى انتعاش قطاع يحاول التعافي من فترة طويلة من الأداء الضعيف.
كانت صناديق التحوط التي تتبع الاتجاهات، التي تستخدم نماذج رياضية في محاولة للتنبؤ بتحركات السوق، تكافح لأعوام في فترة هيمن عليها شراء البنوك المركزية للسندات، وهي أداة تحفيز تستخدم لكبح جماح كثير من التقلبات التي تزدهر عليها هذه الصناديق. لكن وفقا لشركة تزويد البيانات إتش إف آر، الصناعة التي يقدر حجمها بـ337 مليار دولار أصبحت الآن تحقق أكبر مكاسب لها منذ الأزمة المالية في 2008.
استفادت الصناديق الكمية بشكل خاص من الرهانات ضد السندات الحكومية، التي اهتزت بسبب التوقعات التي تفيد بأن الاحتياطي الفيدرالي سيواصل رفع أسعار الفائدة بشراسة في سبيل محاربة التضخم المرتفع.
استفادت الصناديق كذلك من الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة والسلع، الذي غذته اختناقات سلاسل التوريد والحرب الروسية - الأوكرانية.
قالت ليدا براجا، التي أسست شركة سيستيماتيكا إنفيستمينتس والرئيسة السابقة لقسم التداول المنهجي في شركة بلو كريست "هذه الأوقات تشبه إحدى اللحظات في 2008 حيث يبلي جميع (الذين يتابعون الاتجاهات) بلاء حسنا. الاتجاهات أكثر وضوحا الآن".
وأضافت "كان الموضوع الأساسي هو نهاية العقد الحميد الذي شهدناه". صندوق بلو تريند الذي تديره ارتفع 26 في المائة حتى الآن هذا العام، وهو أفضل أداء يحققه منذ 14 عاما. وقالت "يوجد الآن مزيد من التقلبات".
ومن بين الفائزين شركة بي إتش-دي جي سيستيماتيك، وهي مشروع مشترك بين ديفيد جورتون وصندوق التحوط بريفان هوارد. حققت الشركة ربحا 32 في المائة هذا العام. فيما حققت "آسبكت كابيتال"، التي شارك في تأسيسها مارتن لوك، أحد المؤسسين الثلاثة الأصليين لوحدة أيه إتش إل، التابعة لمجموعة مان جروب، ربحا 29.2 في المائة في صندوق دايفيرسيفايد التابع لها، وهو ثاني أفضل عام تقويمي للشركة منذ انطلاقتها في 1999.
حققت هذه الصناديق مكاسب بلغت 15.1 في المائة في المتوسط في الأشهر الأربعة الأولى من العام، وفقا لبيانات "إتش إف آر"، التي صنفتها على أنها صناديق التحوط الأفضل أداء، في وقت سجل فيه كثير من مديري الصناديق الكبيرة خسائر من خانتين، وفيه أيضا انخفض مؤشر إس آند بي 500 بنسبة 13 في المائة. وانخفض قطاع صناديق التحوط بشكل عام 1.9 في المائة لمدة الأشهر الأربعة الأولى من العام.
تستطيع هذه الصناديق الكمية - التي تعرف أيضا باسم صناديق العقود الآجلة المدارة - أن تجني الأموال من خلال التمسك باتجاهات الأسعار المستمرة في كل من الأسواق الصاعدة والهابطة، التي غالبا ما سمحت لها بجني الأرباح خلال الفترات التي شهدت فيها السوق ضغوطا. في 2008، مثلا، استفادت الصناديق من الارتفاع الحاد في أسعار النفط، ثم الانهيار الذي تلاه، وكذلك من البيع الكثيف للأسهم إبان الأزمة المالية.
الارتفاع الحاد في الأداء هذا العام يأتي في كثير من الأحيان بعد أعوام من العوائد الباهتة، مع خسارة متتبعي الاتجاهات في ستة من الأعوام التقويمية الثمانية بين 2011 و2018، وفقا لبيانات "إتش إف آر". قال أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في الصناعة "إن الفترة التي أعقبت 2010 كانت عقدا ميتا لمتتبعي الاتجاهات".
ثبت أن انتظار عودة السوق كان طويلا للغاية بالنسبة إلى بعض الصناديق. الملياردير ديفيد هاردينج، الذي أسس شركة وينتون للصناديق الكمية في التسعينيات، أثار جدلا في القطاع منذ عدة أعوام عندما نقل صندوقه الرئيس بعيدا عن متابعة الاتجاهات، متذرعا بأن الاستراتيجية لم تكن كافية كي تبرر إدارة صندوق تحوط كبير.
قال أحد مديري الصناديق الذي استمر في دعم اتباع الاتجاهات "كان من المستحيل جمع الأموال في ذلك الوقت" بعد الخطوة التي قام بها هاردينج. فيما أغلقت "جي إس أيه" العام الماضي صندوق تريند فند الذي تملكه بعد أن وجدت أن اللقاء مع مستثمري الصندوق أصبح مصدر إلهاء للباحثين فيها.
مع ذلك، التسارع الحاد في معدل التضخم في الولايات المتحدة العام الماضي، الذي قلل محافظو البنوك المركزية من شأنه في البداية، أدى إلى ارتفاع أسعار الفائدة وسحب التسهيل الكمي. نتج عن ذلك سحب الدعم لأسعار الأصول في الأسواق التقليدية، ما أدى إلى انهيار السندات والأسهم.
"يتعين على البنوك المركزية التركيز على مكافحة التضخم مهما كانت تكلفة أسعار الأصول"، كما قال فيليب جوردان، رئيس شركة سي إف إم لصناديق التحوط الكمية التي تتخذ من باريس مقرا لها، التي ارتفع صندوقها آي إس تي، الذي يتتبع الاتجاهات 16.5 في المائة هذا العام. وأضاف "هذه الخلفية إيجابية للاتجاه لأنها توجد زخما".
ارتفع عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشرة أعوام من 1.51 في المائة إلى ذروة بلغت 3.2 في المائة هذا العام، في حين قفز عائد السندات الألمانية لأجل عشرة أعوام ـ الذي تحول إلى سالب في 2019 ـ من سالب 0.18 في المائة إلى 1.19 في المائة. العائدات تتحرك عكس اتجاه الأسعار.
"إذا نظرت إلى سندات الخزانة الألمانية لأجل عشرة أعوام، فقد كانت هناك خطوة مذهلة من شيء لم يفعل شيئا على الإطلاق لفترة طويلة"، بحسب كينيث تروبين، رئيس شركة جراهام كابيتال ـ مقرها ولاية كونيتيكت ـ التي ارتفع صندوقها "كيه 415" بنسبة 41.7 في المائة هذا العام، في حين اكتسب صندوق تاكتيكال تريند 33.4 في المائة.
قال أندرو بير، العضو المنتدب في شركة الاستثمار الأمريكية دايناميك بيتا إنفيستمينتس، التي ارتفع صندوقها دي بي إم إف 22.4 في المائة هذا العام "بالنظر إلى ما حدث للفائدة والسلع والعملات، فإن صناديق العقود الآجلة المدارة سعيدة كما تكون الخنازير في الوحل".
بعد فترة عجفاء نسبيا، يعتقد المديرون حاليا أن التغيير في نظام السوق يعني أن الاتجاهات قد تستمر لبعض الوقت.
"يبدو أن التغيير في التوقعات التضخمية كبير، وسيستغرق وقتا كي يتم"، بحسب براجا، من شركة سيستيماتيكا، مشيرة إلى إزالة الكربون والتغيرات في سلاسل التوريد باعتبارها قوى تضخمية. وقالت "يبدو أن هناك دورة أطول ستأتي في المستقبل. أعتقد أن الاتجاهات ستستمر لفترة من الوقت".

الأكثر قراءة