رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


مهارات استشراف المستقبل

وجهت جائحة كورونا ضربة موجعة إلى الاقتصاد العالمي الذي يعاني أساسا الهشاشة، ومع أن النطاق الكامل للآثار البشرية والاقتصادية للجائحة لن يتضح قبل مرور بعض الوقت، إلا أن الخسائر في هذين المجالين ستكون كبيرة، وتجعل مواطن الضعف القائمة بالفعل على صعيد الاقتصاد الكلي لدول الأسواق الصاعدة، والدول النامية عرضة لاضطرابات اقتصادية ومالية، وقد يحد هذا من قدرة المساندة وفاعليتها على صعيد السياسات. حتى مع وجود مساندة من السياسات، فمن المتوقع أن تكون التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا طويلة الأمد، ومن جراء انتشار هذه الجائحة القاتلة شهد العالم إغلاقات واسعة النطاق في كل القطاعات، وتم فرض إلغاء التجمعات والفعاليات، كما تم إقفال أماكن العمل لاحتواء تفشي الفيروس، وفرضت قيود السفر على نطاق واسع.
وبالتالي أثرت الإغلاقات الإلزامية إلى جانب التباعد الاجتماعي التلقائي من جانب المستهلكين والمنتجين تأثيرا كبيرا في النشاط والتجارة في العالم، وصاحبتها تقلبات في الأسواق المالية، وتراجعات حادة لأسعار النفط والمعادن الصناعية، ومن هذه المعطيات خلفت جائحة كورونا ندوبا اقتصادية دائمة على مستوى أنحاء العالم.
وبسبب هذا الأمر سجلت اقتصادات العالم أضرارا طويلة الأجل، فيما تخلف حالات الركود الحاد تداعيات مستديمة على الناتج المحتمل من خلال تقليص معدلات الاستثمار، والابتكار، وتآكل رأس المال البشري للعاطلين، والانسحاب من دائرة التجارة العالمية، وانقطاع الصلة بسلاسل التوريد. كما ستكون الأضرار طويلة الأجل لجائحة كورونا شديدة للغاية في الاقتصادات التي تعاني أزمات مالية.
وإزاء هذا الوضع المتراجع اقتصاديا أصبحت مهمة استشراف المستقبل من أهم المهارات التي يجب أن يهتم بها متخذو القرارات حول العالم، وهذا الاستشراف يتطلب أساليب عدة من بينها تحليل التهديدات والفرص، ومكامن القوة والضعف، وهذا التحليل الرباعي يحتاج إلى مساندة قوية من إدارة المخاطر التي تحدد الاحتمالات وحجم الآثار المترتبة فيما لو حدثت تلك التهديدات أو ضاعت الفرص.
ولأن المفاجآت تتزايد على مسار الاقتصاد العالمي من أوبئة خطرة إلى اضطرابات سياسية ونزاعات مسلحة، وكل ذلك له آثار عميقة في الجوانب الاقتصادية والتنموية التي تتفاوت درجة تأثيرها وحدتها بين دول العالم بحسب ما حققته من تفوق اقتصادي، تقدم تقارير المؤسسات الدولية تقارير نوعية ودراسات تمكن من تسليط ضوء واسع على المستقبل وتقلباته.
تقرير صندوق النقد استخدم نماذج محاكاة لقياس الآثار في إجمالي الناتج المحلي نتيجة التداعيات التي خلفتها الجائحة على أسواق العمل والتعليم وركز على اعتبار الجائحة صدمة غير مسبوقة وأنها ستترك آثارا طويلة الأمد تتسبب في إضعاف الآفاق الاقتصادية، وستكون الخسائر الناجمة عنها كبيرة في الأعوام المقبلة سواء في الناتج الاقتصادي أو التوظيف.
وبينما تتعافى دول العشرين من هذه الندوب ستتحمل الأسواق الصاعدة خسائر أكبر بالنظر إلى أن فرصها في الحصول على اللقاحات أقل نسبيا، وحزم الدعم المخصصة لمواجهة الجائحة أصغر حجما.
بهذا يضع التقرير تصوراته عن المستقبل، فاللقاحات وآليات توزيعها واستجابة الشعوب معها، تعني الفرق بين الخروج من الأزمة بأقل ندوب اقتصادية وبقاء الجروح تنزف، فالفيروس الخطير يستوطن الأرض معنا، ويشاركنا الحياة، والأقل تحصنا منه سيكون الأكثر عرضة لمتحوره، ومع كل متحور أو هجمة جديدة للفيروس هناك إبطاء للاقتصاد وحركة العمالة والتعليم والتوظيف.
الركود هذه المرة له آثار دائمة في العمال الذين يفقدون وظائفهم ويجدون صعوبة في العثور على وظيفة جديدة، كما يفقدون بعض مهاراتهم بسبب التعطل عن العمل لفترة طويلة.
تقرير صندوق النقد يدق جرس الإنذار حول ما يمكن أن يترتب على انخفاض الدخل مدى الحياة للطلاب المتضررين إذا لم تعالج خسائر التعلم بسرعة، إضافة إلى تحديات سوق العمل والاضطرابات في العملية التعليمية، هناك مشكلات أخرى ومنها زيادة الدين العالمي، وأثره في خطط الاستثمار والتدفقات النقدية للأسواق.
وأمام هذه المشكلات التي تنتقل معنا للمستقبل لا بد من اتخاذ إجراءات حاسمة اليوم رغم عدم وجود الوقت الكافي لذلك، كما يجب أن تتحول السياسات إلى مساعدة الأفراد على التكيف مع أسواق العمل المتغيرة، وتقديم دعم إضافي للتدريب من أجل بناء مهارات جديدة، مع أهمية وجود آليات للتعامل مع إعسار الشركات وإعادة هيكلتها خارج نطاق المحاكم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي