قطع الاتصال خارج ساعات العمل .. حق مشروع في فرنسا

قطع الاتصال خارج ساعات العمل .. حق مشروع في فرنسا

في أحدث سلسلة من مسلسلات نتفليكس الناجحة إميلي في باريس، تعرضت بطلة الفيلم الأمريكية الشابة للتوبيخ بسبب أسلوب عملها المتمثل في العمل طوال الوقت وعدم قدرتها على قطع الاتصال خارج ساعات العمل.
قال أحد زملائها الفرنسيين عندما قاطعت مباراة الشطرنج للتحدث عن استراتيجيتها التسويقية الأخيرة، "كما تعلمين، لا يسمح لنا بتلقي مكالمات العمل في عطلات نهاية الأسبوع".
لكن لا يوجد مثل هذا الحظر في فرنسا. كان لمحاولة الدولة الرائدة في 2017 لتكريس "حق قطع الاتصال خارج ساعات العمل" تأثير محدود حتى الآن، حتى إن الجائحة رفعت سقف التوقعات بأن الموظفين يجب أن يكونوا "دائما متاحين لإنجاز العمل".
لا توجد قواعد صارمة وسريعة حول كيفية تنفيذ أصحاب العمل للمبادئ التوجيهية ولا يزال العمل خارج ساعات العمل أمرا اعتياديا في كثير من الشركات، خاصة تلك التي تفتقر إلى وجود نقابات قوية، أو في بعض القطاعات عالية الضغط مثل التمويل. يعفى من ذلك الشركات التي يقل عدد موظفيها عن 50 موظفا.
وفقا لمسح أجرته شركة إمبرينت هيومين الاستشارية، ارتفعت مستويات التوتر لدى العاملين الفرنسيين منذ الجائحة، مع ظهور علامات الإرهاق على نحو ثلث الموظفين الذي يحصلون على رواتب، أي أكثر ثلاث مرات مما كانت عليه الحال قبل الأزمة. كما أن الأنظمة تفشل في معالجة وصمة العار المحتملة التي تلحق بالموظفين الذين يتذرعون بحقهم في التوقف عن العمل خارج ساعات العمل، والتأثير السلبي الذي قد يحدثه ذلك في حياتهم المهنية.
مع ذلك، فإن الخطوة التي اتخذتها فرنسا لمحاولة تضمين هذه المبادئ يتم إلقاؤها في ضوء جديد في الوقت الذي أدخلت فيه دول أخرى حقوق مماثلة لقطع الاتصال خارج ساعات العمل. اتبعت إيطاليا وإسبانيا، في 2017 و2018 تباعا، اللوائح الخاصة بهما حول الحق في قطع الاتصال خارج ساعات العمل والعمل المرن. العام الماضي، أصدرت البرتغال قانونا يمنع الشركات من الاتصال بالموظفين خارج ساعات العمل، وفي هذا العام وسعت بلجيكا هذا الحق لموظفيها المدنيين. في الوقت نفسه، يقوم الاتحاد الأوروبي بصياغة مشروع توجيهي يهدف إلى حماية الأشخاص من الحمل الرقمي الزائد المرتبط بالعمل.
يقول برونو ميتلينج، الرئيس السابق للموارد البشرية في مجموعة أورانج للاتصالات، الذي ساعد على صياغة القانون الصادر في 2017، "في ذلك الوقت كان هناك كثير من النكات (...) حول فكرة أن الفرنسيين فقط هم من يمكنهم أن يتخيلوا ذلك".
تشتهر فرنسا، مثلا، بساعات العمل المحمية بموجب القانون وهي 35 ساعة في الأسبوع، على الرغم من أن كثيرا من الموظفين في الواقع العملي، بما في ذلك العاملين في مجال المعرفة، يعملون لساعات أطول، ويجمعون ساعات العمل الإضافية.
يقول ميتلينج، "أصبحت القضايا المتعلقة بقطع الاتصال خارج ساعات العمل موضع تركيز في أوروبا، خاصة منذ أزمة كوفيد- 19 وبدء العمل من المنزل".
في فرنسا، الحق في قطع الاتصال خارج ساعات العمل يعني أن الموظف لا يمكن تحميله خطأ لأنه لم يكن متصلا خارج ساعات العمل، ما يمنحه بعض الحماية القانونية. رفع العمال بعض القضايا القانونية للمطالبة بالاعتراف بعملهم خارج ساعات العمل، إما من خلال أجر إضافي أو إجازة.
كما يقول ميتلينج، الذي يدير الآن شركة توبيكس، وهي شركة استشارية تقدم المشورة للشركات بشأن قضايا مكان العمل مثل إدارة الكفاءات والتغيير الثقافي، "عزز القانون على الأقل موقف الموظف الذي يرفض الرد (...) يتعلق الأمر بالوعي بالسبب المنطقي للبقاء على اتصال".
بموجب القانون، لا يمكن للشركات رفض تنفيذ المواثيق أو المبادئ التوجيهية الأخرى المتعلقة بقطع الاتصال خارج ساعات العمل إذا طلب منها ذلك من قبل الموظفين والنقابات، وقد تم إبرام مئات الاتفاقات من هذا النوع منذ 2017.
لكن معظمها يتضمن مرونة كافية للسماح بالحالات التي يحتاج فيها الموظفون إلى أن يكونوا على اتصال من أجل مشاريع محددة أو مسائل عاجلة، ويضعون المسؤولية على عاتق الموظفين ليتذكروا قطع الاتصال خارج ساعات العمل. لا توجد عقوبات على الشركات التي لا تتبع هذه الأنواع من المبادرات.
مع ذلك، فقد زاد التأييد بين كبار المديرين والمديرين التنفيذيين بشأن الحق في قطع الاتصال خارج ساعات العمل.
يقول جان لوك مولينز، الأمين الوطني للمهندسين وكبير مديري فرع نقابة الاتحاد العام للعمل، الذي شارك أيضا في المساعدة على تشكيل القانون الفرنسي، "اعتاد الأشخاص على ألا يكون هذا الموضوع حاضرا في أذهانهم. لم يفهم المديرون المسألة، عندما نقول الحق في قطع الاتصال خارج ساعات العمل، لم يفهموا بالضبط ما كنت تتحدث عنه".
يسلط مولينز الضوء على أن عدد المديرين الذين يعتقدون أن الحق في قطع الاتصال خارج ساعات العمل فكرة جيدة ارتفع إلى 69 في المائة، من 60 في المائة قبل انتشار الجائحة، وفقا لاستطلاعات أجراها الاتحاد.
على الرغم من القانون، يقول مولينز إن الوضع قد تفاقم بالفعل منذ بداية الجائحة، مضيفا أن ثلاثة من كل أربعة عاملين في فرنسا على مستوى المديرين "متصلون لأسباب مهنية في أوقات راحتهم"، حسبما أظهر استطلاعه.
كانت بعض الشركات تدرك قبل انتشار الجائحة شعور موظفيها بعدم القدرة على التوقف وحاولت ابتكار حلول مبتكرة لمساعدتهم على إدارة جور التكنولوجيا، خاصة رسائل البريد الإلكتروني.
جلبت شركة ديملر الألمانية للشاحنات والسيارات نظاما في 2014 يسمح للعاملين في سوقها المحلية بضبط رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهم على "الحذف التلقائي" عندما يكونون في عطلة، ما أطلق تحذيرا تلقائيا للمرسلين ومنحهم عنوانا لإعادة التوجيه.
في فرنسا، حاولت الذراع المحلية لشركة أليانز الألمانية للتأمين الترويج لميثاق "السلوك الجيد" قبل وقت طويل من ظهور قانون الحق في قطع الاتصال خارج ساعات العمل. دفعت الجائحة المجموعة إلى إعادة التفكير في القواعد مرة أخرى.
"عندما انتقلنا إلى نموذج عمل هجين، مع العمل المنزلي وعمليات الإغلاق، كان لدينا بعض زملاء العمل يدقون ناقوس الخطر قائلين، لا أستطيع أن أبدو قادرا على التوقف عن العمل"، كما تقول سيسيل ديمان إينيل، أخصائية موارد بشرية في "أليانز". الآن يشجع الموظفون على جدولة الاجتماعات في أوقات مقبولة خلال يوم العمل - بحيث لا تكون خلال ساعات الغداء، مثلا.
نظرا إلى أن الجائحة أدت إلى تسريع عدد الأشخاص الذين يعملون بشكل أكثر مرونة من المنزل، وكشف التأثير المحدود للتشريعات في حل مشكلة تطفل العمل على الوقت الشخصي، يقول ميتلينج إنه إضافة إلى الحق في التوقف عن العمل، يحتاج أصحاب العمل الآن إلى العمل على تعزيز واجب قطع الاتصال خارج ساعات العمل. هذا يعني مساعدة العمال على تعلم كيفية وضع الحدود من خلال حملات التدريب والتوعية.
يقول، "عندما تفكر في إرسال بريد إلكتروني لأن لديك أخيرا خمس دقائق خلال عطلة نهاية الأسبوع للرد على رسالة تلقيتها يوم الجمعة. أنت بحاجة إلى جرس إنذار ينطلق في رأسك قائلا، ستزعج زميلك فقط، يمكن للأمر أن ينتظر".
بالعودة إلى "نتفليكس"، تعلمت إميلي هذا الدرس في نهاية المطاف، بطريقتها الخاصة - في مرحلة ما، قامت بتأجيل منشورها التالي على إنستجرام للاستمتاع باللحظة على متن يخت فاخر في جنوب فرنسا.

الأكثر قراءة