أوروبا قلقة من الوقوع في قبضة الاستعمار التكنولوجي

أوروبا قلقة من الوقوع في قبضة الاستعمار التكنولوجي

هل سيهيمن على مستقبل تكنولوجيا المعلومات العالمية حفنة من عمالقة الحوسبة السحابية في الولايات المتحدة، جنبا إلى جنب مع شركة أو شركتين صينيتين تعملان في مجال منفصل من النفوذ الرقمي الذي أنشأته بكين؟
يتسبب هذا الاحتمال في قلق متزايد في أوروبا، حيث يسود خوف من أن المستقبل الرقمي للقارة العجوز سيتم التحكم فيه بشكل أساسي من الجانب الآخر من المحيط الأطلسي. ويثير ذلك مشكلات مقلقة لكثير من كبار مستخدمي تكنولوجيا المعلومات، الذين يمكن أن يروا منافسة دون المستوى بكثير في عالم التكنولوجيا مع احتكار السحابة من جانب قلة.
لذا، فإن محاولة مايكروسوفت في بروكسل الأسبوع الماضي لمعالجة مصدري القلق هذين مباشرة تمثل اعترافا عاما منتظرا بما هو على المحك. لسوء الحظ أثارت شركة البرمجيات أسئلة أكثر مما قدمت من إجابات.
تناول عرض مايكروسوفت في بروكسل بشكل مباشر مخاوف المنافسة، لكن كان له أيضا هدف جيوسياسي واضح. كان الدافع وراء ذلك هو الشكاوى الأخيرة من الشركات السحابية الأوروبية الأصغر من أن المجموعة الأمريكية كانت تعمل على إخراجها من المنافسة بشكل غير عادل.
بعد حرب طويلة ومدمرة مع المفوضية الأوروبية في التسعينيات، تعلمت مايكروسوفت الدرس. جاء براد سميث، رئيس الشركة وكبير المحامين وكبير الدبلوماسيين، إلى بروكسل الأسبوع الماضي لمحاولة تجنب المعركة التالية قبل أن تبدأ بالفعل. قال سميث أيضا إنه كان يتحدث عن التقارير الإخبارية، بما في ذلك تقرير صدر عن "فاينانشيال تايمز"، أظهر أن العملاء غير راضين عن بعض ممارسات أعمال مايكروسوفت.
تنبع الاضطرابات من تغييرات أجرتها مايكروسوفت على ممارسات الترخيص الخاصة بها قبل ثلاثة أعوام، وكانت هذه جزءا من حرب أكبر تخوضها مع أمازون وجوجل في سوق الحوسبة السحابية.
تعد تأثيرات تغييرات الترخيص لعام 2019 معقدة، حتى كثيرا من العملاء لم يفهموا بعد تأثيرها الكامل. تضمنت وعود سميث الأسبوع الماضي إعادة كتابة تراخيص مايكروسوفت لجعلها أبسط - احتمال حدوث ذلك مثل احتمال توضيح قانون الضرائب.
في الواقع، ما تعنيه تغييرات 2019 أنه عندما ينتقل عملاء أوفيس وويندوز إلى السحابة، يصبح استخدام الشركات السحابية المنافسة أكثر تكلفة بالنسبة لهم بدلا من الالتزام بخدمة أزور من مايكروسوفت.
بفضل تكتيكات مثل هذه، كانت مايكروسوفت تتغذى بشكل مطرد على أمازون ويب سيرفيسز المهيمن في الحوسبة السحابية، وفقا لأرقام صادرة عن شركة سينرجي ريسيرش، تضاعفت حصة مايكروسوفت في السوق إلى أكثر من 20 في المائة منذ 2017، في حين ظلت أمازون ويب سيرفيسز ثابتة عند نحو 32 في المائة.
لكن ما يمكن أن يبدو تكتيكا صالحا عند استخدامه ضد منافس أكبر مثل أمازون ويب سيرفيسز، يبدو وكأنه تنمر فيما يتعلق بالشركات السحابية الصغيرة. وعندما تكون هذه الشركات أوروبية، يبدو أن عملاقا أمريكيا يسحق عن عمد جهود المنطقة لبناء مستقبل تكنولوجي مستقل.
من هنا جاءت اللغة الطنانة، التي شهدناها الأسبوع الماضي، حين وضع سميث سلسلة من "المبادئ"، التي قالت مايكروسوفت إنها ستتبعها احتراما لمخاوف أوروبا. خلف الحديث، كان هناك أيضا تنازل جوهري واحد. لترخيص ويندوز أو أوفيس بموجب ترخيص ضمان البرنامج القياسي للشركة لن يضطر أي عميل إلى دفع مبلغ إضافي إذا أراد استخدام البرنامج في السحابة - أي طالما أنهم يستخدمون شركة سحابية أوروبية.
تم استهداف عرض مايكروسوفت بعناية لتفادي تحقيق الاتحاد الأوروبي الأخير، لكنه يثير قضيتين أكبر يصعب الرد عليهما. من المشكوك فيه ما إذا كانت الامتيازات مثل تلك التي قدمتها مايكروسوفت الأسبوع الماضي كافية لمنح الشركات السحابية الأوروبية المحلية فرصة حقيقية لكسر قبضة المنافسين المهيمنين في الولايات المتحدة والصين.
أقر سميث نفسه بأن عرض مايكروسوفت قد ينظر إليه على أنه محاولة لتحويل الشركات السحابية في أوروبا إلى مجرد بائعين لبرامج مايكروسوفت - ما يجعل هذا، في الواقع، شكلا من أشكال الاستعمار التكنولوجي. وستجعل اقتصادات البنية التحتية السحابية وشركات المنصات، حيث النطاق الهائل مهم حقا، من الصعب دائما على المشاركين الأصغر الانخراط في منافسة حقيقية.
المشكلة الأخرى هي بينما تقدم مايكروسوفت تنازلات عندما يتعلق الأمر بمنافسين أصغر في أوروبا، فإنها لا تفعل الكثير لتغيير الطريقة التي تتشكل بها المنافسة السحابية في بقية العالم.
نتيجة لذلك، لا تفعل شيئا للعملاء الذين يقلقون من أن يصبحوا معتمدين بشكل مفرط على مزود خدمة سحابية واحد. كان الأمل الكبير للصناعة السحابية سريعة النمو أن تكون خالية من حبس العملاء، الذي ميز عديدا من أسواق التكنولوجيا في الماضي. تشير تكتيكات مايكروسوفت إلى أن الأمل ذهب سدى.

الأكثر قراءة