النمو الأوروبي .. سيناريوهات وتداعيات
تواجه مؤشرات النمو في دول الاتحاد الأوروبي، أو ما يسمى منطقة اليورو خاصة، تحديات ومشكلات كبيرة على القارة العجوز، بدليل أن أوروبا لم تستطع التغلب على جائحة كورونا عام 2021. والسؤال المطروح عما سيشهده عام 2022 من تحديات أكبر من العام السابق؟ حيث تبقى الجائحة التحدي الأكبر إلى جانب موضوع الهجرة والنقص الحاد في العمالة الماهرة الذي لم يسبق له مثيل. هذا فضلا عن مسألة تعافي الاقتصاد والصراعات والأزمات في الدول المجاورة للاتحاد الأوروبي.
ومن هنا كان خفض توقعات النمو في منطقة اليورو حاضرا، ليس فقط مع نشوب الحرب الدائرة حاليا في أوكرانيا، بل قبلها بفعل الضربات التي يتلقاها اقتصاد المنطقة من جهة موجة التضخم العاتية الراهنة. فقد فضل البنك المركزي الأوروبي أن يبقي على سياساته بإبقاء الفائدة أقرب للصفر، من أجل تفعيل ودعم مشاريع الإنقاذ التي اضطر لإطلاقها لاستيعاب الآثار الاقتصادية المخيفة التي جلبتها جائحة كورونا على الساحتين الأوروبية والعالمية في آن معا. ومع نشوب الحرب الروسية - الأوكرانية، زادت الضغوط على الاقتصاد الأوروبي عموما، واقتصاد منطقة اليورو خصوصا، ما دفع المفوضية الأوروبية إلى خفض توقعاتها لهذه المنطقة في العام الجاري بمقدار 1.3 في المائة إلى 2.7 في المائة. كما زادت توقعاتها بخصوص التضخم 3.5 في المائة إلى 6.1 في المائة.
وهذه التوقعات ليست مضمونة الاستقرار حتى نهاية العام الحالي. فكل المؤشرات تدل على إمكانية تعديل نسبة النمو للأسفل أكثر، ورفع معدل التضخم للأعلى أكثر، خصوصا مع تنامي الضغوط الناجمة عن الحرب، بما في ذلك اضطراب سوق النفط الأوروبية حتى الغذائية، وسط مخاوف تتعاظم حول مستقبل النمو المتوقع عموما في العامين المقبلين. تكلفة الحرب في أوكرانيا ترتفع، ليست فقط من ناحية الأموال التي تقدمها دول الاتحاد الأوروبي لكييف، بل المشكلات الحاصلة ضمن المجتمعات الأوروبية من جهة ارتفاع تكاليف المعيشة، وعدم وجود استراتيجية واضحة بعد لتعويض الطاقة الروسية التي يسعى الاتحاد الأوروبي عموما إلى التخلص منها نهائيا. فحتى اليوم يقف بلد كالمجر ضد مساعي المفوضية الأوروبية بوقف استيراد النفط الروسي تماما.
وارتفاع التضخم آفة متزايدة على الساحة الأوروبية، وسط أجواء من عدم اليقين، ما دفع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OCED إلى الدعوة إلى "تفكير متعمق حول الموضوعات الأساسية، بما فيها أمن الغذاء والطاقة والأمن الرقمي"، وهذا التفكير يجب أن ينصب على تنظيم جديد للتبادلات التجارية.
ومنطقة اليورو التي يصل ناتجها المحلي الإجمالي إلى نحو 15 تريليون يورو، مطالبة الآن، خصوصا مع استمرار الحرب في أوكرانيا، بوضع مخططات عاجلة مشابهة لتلك التي توضع عادة خلال الحروب. فهذه المنطقة الأكثر تضررا من الحرب المشار إليها، ليس فقط لأسباب جغرافية، بل لمعوقات تتعلق بالإمدادات الروسية من الطاقة والغذاء، فضلا عن الأعداد المتزايدة للاجئين الأوكرانيين إليها، ما يزيد الأعباء الاقتصادية أكثر وأكثر.
الفترة التي يمر بها الاقتصاد الأوروبي، ولا سيما اقتصاد منطقة اليورو التي تضم 19 بلدا، حرجة للغاية، وتأتي في وقت لم تنته فيه بعد الآثار السلبية لكورونا، كما أنها متصلة الآن بقوة مع تطورات الحرب الأخطر في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. ورئيسة البنك المركزي الأوروبي التي عاندت قبل الحرب رفع أسعار الفائدة لحماية النمو، تؤكد الآن أن هذه الحرب دفعت وأسهمت في تداعيات وخيمة على اقتصاد منطقة اليورو، على رأسها الثقة المطلوبة، خاصة في أوقات الأزمات. فقبل الحرب كان الانتعاش في أوروبا يتسارع، في ظل معدلات تضخم مقبولة، وإن كانت أعلى من الأهداف المحددة من قبل المشرعين الأوروبيين. وفق المعطيات الأخيرة، فإن المشهد يتغير الآن بكل سيناريوهاته المحتملة، ويرتبط بمصير حرب لا أحد يعرف أين ستقف، أو حتى إن كان ممكنا أن تقف في وقت قريب. وليس أمام المفوضية الأوروبية سوى الإسراع بوضع مخططات تحاكي تبعات الحرب وآثار كورونا في آن معا.