دعها تعيش بقربك
حشرة صغيرة تملأ الزوايا وتعيث في الأرض فسادا ولن تتردد لو قابلتك بأن تبادر وتهاجمك لتغرس فكيها في جلدك مسببة لك آلاما مبرحة لا تلبث أن تختفي، لكن مقابل هذه القرصة الخفيفة تقدم لك خدمات جليلة وقد تنقذ حياتك لما يتميز به تكوينها.
فبعد دعوتي لكم قبل فتره لإنشاء مزارع للنمل لما لهذه الحشرة من أهمية، أدعوكم اليوم وبشدة إلى المحافظة على حشرتنا الملهمة والمعلمة رغم صغر حجمها، لقد لاحظ العلماء أن النمل لا يوجد لديه أنف ورغم ذلك يمتلك قدرة فائقة على الشم مكنته من معرفة طريقه وإيجاد طعامه، حيث يتفوق النمل على معظم الحشرات بامتلاكه خمسة أضعاف ما يمتلكون من مستقبلات الرائحة التي بلغت 400 مستقبل رائحة - البروتينات الخاصة التي تكشف عن الروائح المختلفة - بينما تملك فراشة الحرير 52 مستقبلا و61 لدى ذبابة الفاكهة و174 مستقبلا لدى نحلة العسل.
وهذه الخطوة مكنت العلماء من فهم النظام الاجتماعي المعقد، الذي يجعل من عائلة النمل إحدى العائلات الأكثر نجاحا على وجه الأرض، بسبب قدرتها العظيمة على الشم التي جعلتها قادرة على الكشف عن الخلايا السرطانية لدى البشر.
تمكن الباحثون في مركز الأبحاث الوطني الفرنسي للبحث العلمي من تحديد فصيلة من النمل تسمى "فورميكا فوسكا" لديها حاسة شم متطورة جدا، إذ استطاعت التعرف على الخلايا السرطانية من الخلايا الطبيعية في البشر، كما اكتشف الباحثون أن هذا النمل لديه قدرة على التفرقة بين نوعين مختلفين من الخلايا السرطانية بالتدريب ويسعى الباحثون إلى تطبيقها سريريا في المستشفيات.
واستخدام النمل يعد طريقة سهلة وسريعة للكشف عن إصابة البشر بالخلايا السرطانية أكثر من الكلاب التي تكتشفها عن طريق شم أنفاس المرضى وتحتاج إلى مدة طويلة تراوح بين عدة أشهر إلى عام من التدريب والعناية، أما النمل فيمتلك مهارة كبيرة تمكنه من التعلم بسرعة وبتكلفة قليلة وفاعلية عالية باتباع بروتوكول غير مكلف وسريع ويمكن تنفيذه بسهولة وفاعلية، ولا يحتاج إلى مدربين ذوي تدريب أكاديمي.
ليس هذا فقط، بل يحاول العلماء اليوم التعديل على هذه الطريقة لتعليم النمل الكشف عن مجموعة روائح معقدة، مثل الكشف عن المتفجرات والطعام الفاسد والمخدرات أو أمراض أخرى، كالالتهابات والملاريا والسكري والتوسع في استخدام النمل للتعرف على عدد من الروائح الخاصة بأنواع مختلفة من السرطان، والكشف عن روائح الجسد المختلفة.