قطع الإنترنت .. تسخير التكنولوجيا لخدمة قمع الملالي

قطع الإنترنت .. تسخير التكنولوجيا لخدمة قمع الملالي
تخشى القيادة الإيرانية من التواصل الشعبي.
قطع الإنترنت .. تسخير التكنولوجيا لخدمة قمع الملالي
تعتقد الحكومة في طهران أنها قادرة على منع التأثير الخارجي بقطع الإنترنت.

تعمدت الحكومة الإيرانية أخيرا قطع خدمة الإنترنت عن الهواتف المحمولة في مدن الأحواز جنوب غربي إيران، كما هي الحال في التعامل مع أي محاولة شعبية غاضبة للتعبير عن قهرها، خشية المشاركة في الاحتجاج على الغلاء وارتفاع التضخم في البلاد. وشهدت البلاد احتجاجات رافقتها اعتقالات وإطلاق نار على المتظاهرين، لم تتبين حتى الآن إحصاءاتها الدقيقة ـ بحسب ما نقلته قناة "إيران إنترناشيونال"، فإيران تسخر التكنولوجيا - المتأخرة نسبيا مقارنة بالدول المحيطة - لخدمة قمعها بحق الشعب الإيراني وأذية جيرانها.
فهي من الدول الأكثر فرضا للقيود في العالم على حرية الإنترنت، على الرغم من التقنية المرتفعة لديها على مستوى الصناعات العسكرية والصاروخية، ذات الطابع الجاسوسي، التي تملكها لتمكين طموحها القمعي بحق الشعب الإيراني والتوسعي في المنطقة، كما يعد النظام الإيراني مثالا على خطر مساواة الاتصال بالإنترنت بالقيم الديمقراطية الخاصة بالإعلام الحر والمستقل.
وبدلا من رسم صورة مثالية للإنترنت باعتبارها مصدر تدفق حر للمعلومات الدولية، لا بد من إيلاء أهمية للقيود الصارمة المفروضة على وسائل الإعلام في الحكومات المستبدة، فيما تواصل الإدارة المحافظة - التي يرأسها رجالات الحرس الثوري بقيادة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في إيران - حظر إحدى منصات التواصل الاجتماعي الأخيرة، وهي "موقع إنستجرام"، التي ترى أنه مصدر تهديد قائم لها.
سبق أن أحكمت القيادة الإيرانية قبضتها على المشهد الإعلامي في البلاد، وأفرطت في القيود المفروضة في مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية، التي أثارت جدلا كبيرا على المستويين الإيراني والعالمي في 2009، ونتج عن ذلك، لجوء الحكومة الإيرانية إلى حجب أهم شبكات التواصل الاجتماعي المنتشرة حول العالم مثل موقع تويتر وفيسبوك ومنصات رائجة أخرى، وبعد رفض شبه تام للتطبيقات الأجنبية، لا يزال موقع "إنستجرام" إحدى المنصات غير المحظورة رسميا، رغم حظرها بشكل مؤقت 2014، وبعد مرور عقد من الزمن قطعت الحكومة الإيرانية الإنترنت بشكل شبه كامل، ردا على احتجاجات نوفمبر 2019، فعزلت البلاد عن التواصل الدولي لنحو أسبوع.
تعتقد الحكومة في طهران أنها قادرة على منع التأثير الخارجي، بقطع الإنترنت عن الشعب الإيراني، حيث إن مثل هذه الشبكات تعطي الحكومات قوة أكبر عند إغلاق اتصالات الإنترنت، ما يتيح استمرار الخدمات المحلية مع قطع الوصول إلى الشبكات والقنوات الخارجية، وقد سبق أن عطلت الإنترنت خلال الاحتجاجات في أواخر 2017 وأوائل 2018، لكن حجم الانقطاعات الحالية غير مسبوق في إيران، كما بدأت في 16 نوفمبر من العام الماضي السلطات الإيرانية إيقاف اتصالات الإنترنت في البلاد، فيما يبين البحث الذي أجرته منظمة العفو الدولية أن ذلك اليوم شهد أيضا أشد الاحتجاجات دموية في البلاد، حيث قتل ما لا يقل عن مائة من المحتجين والمارة.
ومع اشتداد الاحتجاجات، نفذت السلطات الإيرانية حجبا شبه كامل للإنترنت، من خلال أمر مختلف مزودي خدمة الإنترنت بقطعها، لكن مشروع اكتشاف وتحليل انقطاع الإنترنت، لاحظ انخفاضا ثابتا في الإشارات، الذي بدأ عندما أمر مشغلو الهواتف الخلوية بقطع الاتصال بالإنترنت نحو الساعة الثانية بعد الظهر بالتوقيت المحلي في 16 نوفمبر، وبحلول الساعة السابعة مساء كانت إيران قد غرقت في الظلام الرقمي.
كما لجأت السلطات الإيرانية إلى قطع الإنترنت عمدا أثناء الاحتجاجات، التي اجتاحت البلاد في نوفمبر 2019، مخفية الحجم الحقيقي لعمليات القتل غير المشروع على أيدي قوات الأمن، إذ اندلعت الاحتجاجات في جميع أنحاء إيران بعد إعلان الحكومة فرض زيادة كبيرة في أسعار الوقود، وخلال خمسة أيام من الاحتجاجات التي تلت ذلك، قتلت قوات الأمن ما لا يقل عن 304 من الرجال والنساء والأطفال.
وتم قتل معظم الضحايا برصاص في الرأس أو الجذع، ما يشير إلى أن قوات الأمن كانت تتبع سياسة إطلاق النار بقصد القتل، ومن المعروف عن السلطات الإيرانية لجوؤها إلى التضليل، وأن العدد الحقيقي للوفيات أعلى بكثير، لكن التستر المستمر من جانب السلطات الإيرانية يعني أن عدد القتلى الحقيقي قد لا تتم معرفته أبدا.
بدورها، أكدت فريدريك دوزيت الباحثة الفرنسية الأستاذة في المعهد الفرنسي للجغرافيا السياسية في العاصمة الفرنسية أن شبكة الإنترنت في إيران صممت بطريقة تسمح للسلطات بالتحكم في المسارات، التي تأخذها البيانات لمنعها بشكل انتقائي، ما مكن طهران من حجبها قمع الاحتجاجات، كما استعرضت الخبيرة، في مقابلة مع وسائل إعلام فرنسية، خفايا الشبكة العنكبوتية الإيرانية، التي قطعت إيران الاتصال عبرها بشكل كامل لتحرم 80 مليون شخص من التواصل تقريبا سواء داخليا أو خارجيا.
كما تخشى القيادة الإيرانية من التواصل الشعبي على منصات التواصل الاجتماعي، التي تعدها مصدر تهديد لها، فمن الممكن حتما لتكنولوجيا الإنترنت إثارة جدال عام محتدم وتعزيز مجتمع مدني سليم، بإمكان القادة المستبدين الاستفادة من التكنولوجيا نفسها المستخدمة في ظل ظروف قمعية، لأغراض القمع والمراقبة والرقابة، والتضييق على الإيرانيين، لكن من المستبعد أن يؤثر هذا الحظر في البيئة الإعلامية الشعبية، التي تلجأ إلى استخدام بدائل تواصلية لتوسيع قواعد الاحتجاج في البلاد.
ونظرا إلى استعمال مواقع الشبكة الاجتماعية على نطاق واسع من قبل السياسيين الإيرانيين والاستخدام المكثف للشبكات الخاصة الافتراضية وغيرها من تقنيات التحايل، سيواصل الإيرانيون استخدام موقع "إنستجرام" أو يضطرون إلى استعمال المواقع المحلية الموازية، وكما ورد في تقرير "المجلس الوطني الإيراني الأمريكي" أغسطس 2021، فإن العقوبات الأمريكية تسهل على الحكومة فرض رقابة على شعبها ومراقبته وقمعه، من خلال حظر النفاذ إلى خدمات الإنترنت الرئيسة ومنصاتها وأدواتها، فحظر المنصات لا يضر سوى بالمدنيين ويشجع الحكومة الإيرانية على تطوير خدماتها المحلية الخاصة، ما يزيد من عزلة المستخدمين عن العالم الخارجي، ويسمح للدولة بفرض رقابة أكثر صرامة.
وتطالب منظمات وجمعيات حقوقية الحكومة الأمريكية والجهات الفاعلة الدولية ببذل مزيد من الجهود لتوفير شبكات إنترنت ذات طابع فضائي، تمكن المستخدم الإيراني من الوصول إلى الإنترنت دون الحاجة إلى الإنترنت الحكومي، الخاضع للحظر والرقابة الأمنية المفرطة، ما يقيد حركة الجهود الشعبية للانتفاض على نظام الملالي الأمني، الذي يسعى إلى السيطرة بشكل أكبر على شبكاتها، من خلال بناء شبكة إنترنت داخلية كما فعلت الصين وروسيا.

الأكثر قراءة