لماذا نفرط في التعميم بشكل منهجي؟

لماذا نفرط في التعميم بشكل منهجي؟

إذا كان لديك زملاء في العمل، فما انطباعك عنهم، هل هم أذكياء، هل تجدهم أكفاء، هل هم متحفزون، ومندفعون، هل هم منفتحون على الأفكار الجديدة، هل يتمتعون بمهارات اتصال جيدة، هل يعملون بشكل جيد كفريق؟
قد لا تعتمد الإجابة عن هذه الأسئلة على ما تعتقده أنت، وهذا يشي بالسبب الذي يجعل العالم الحديث يبدو الآن مستقطبا بشكل مسموم لدرجة كبيرة.
في سبعينيات القرن الماضي، كلف عالم النفس باري ستاو مجموعات من الغرباء بمهمة تعاونية، طالبا منهم تحليل بعض بيانات إحدى الشركات ووضع توقعات حول أرباح الشركة ومبيعاتها المستقبلية. عندما انتهوا من المهمة، أخبر كل مشترك بمدى نجاح توقعات المجموعة التي ينتمي إليها، ثم طلب من هؤلاء الأفراد تقييم المجموعة التي كانوا يعملون معها.
لكن ستاو أخبرهم بكذبة: أعطى التوقعات التي قامت بها كل مجموعة تصنيفا جيدا أو سيئا بشكل عشوائي تماما. لم تكن هناك أي صلة بين الأداء الجيد للمجموعة ومدى جودة أدائها التي أخبرهم ستاو عنها.
وجد ستاو أنه عندما اعتقد الناس أن مجموعتهم قدمت توقعات دقيقة، أخبره أعضاؤها بأنهم كانوا يعملون مع أشخاص منفتحين ومتحمسين، ويتسمون بالوضوح، وأذكياء، وجامعيين. لكن عندما قيل لهم بشكل خاطئ إن مجموعتهم قدمت توقعات سيئة، أوضحوا أن هذه النتيجة لم تكن مفاجئة لهم، لأن المجموعة كانت تتسم بضيق الأفق، وأنها كسولة، ومعقدة، وغبية، وأنهم عدائيون تجاه بعضهم بعضا.
وجد الباحثون فيما بعد النمط نفسه، حتى عندما كرروا التجربة نفسها مع فرق أكثر رسوخا. وكما يوضح فيل روزنزويج في كتابه "تأثير الهالة"، هذا السلوك لا يقتصر فقط على زملاء العمل، لأننا نتمتع بنزعة تتسم بالمنهجية نحو الإفراط في تعميم المديح واللوم. يفترض أن لدى الشركات الرابحة سياسات وإجراءات متفوقة في جميع المجالات، غير أن تأثير الهالة يعمل بشكل عكسي أيضا: يرى السياسيون إذا ما ألمت بهم فضيحة ما أن تقييمات استطلاعات الرأي المتعلقة بهم تنخفض في كل الجوانب، من كفاءتهم الاقتصادية إلى السياسة الخارجية. يبدو أننا نجد صعوبة في الاعتراف بأن أي شيء يمكن أن يكون جيدا في بعض النواحي وسيئا في أخرى، بغض النظر عما إذا كان هذا الشيء رئيسا أو شركة أو حتى زملاءنا في الفريق.
تأثير الهالة العكسية يوصف أحيانا بـ"تأثير الشيطان" أو "تأثير القرن"، إلا أن كلا المصطلحين لم ينتشر بين الناس. لذا اسمحوا لي أن أقدم لكم تسمية أخرى: تأثير بقعة النفط.
يبدو أن الخلافات، كما هي حال بقعة النفط، تنتشر أكثر ولها أثر مدمر أكثر مما نعتقد. فليس من الممكن أن يكون شخص ما ببساطة على خطأ في شيء واحد فقط، بل يجب أن يكون مخطئا في كل شيء، وأنه شرير أيضا. بقعة النفط تغطي كل شيء وتدمره.
لا يسعني إلا أن أتساءل عما إذا كان تأثير بقعة النفط هذا أكبر مما كان في السابق؟ خذ في الحسبان البيانات التالية التي وردت في كتاب إزرا كلاين: في 1960، عندما سئل الأمريكيون الذين كانوا يدعمون الجمهوريين أو الديمقراطيين عما إذا كانوا سيعارضون زواج ابنهم أو ابنتهم بشخص ولاؤه يتجاوز الخطوط السياسية الحزبية، كان قليل منهم جدا يشعر بالاضطراب: 5 في المائة من الجمهوريين و4 في المائة من الديمقراطيين.
وعندما طرح السؤال نفسه بعد 50 عاما ارتفعت نسبة معارضة الزواج بين الأحزاب عشرة أضعاف تقريبا، لتصل إلى 49 في المائة من الجمهوريين و33 في المائة من الديمقراطيين. لقد انتقلت السياسة من تلك الأمور التي يمكن للعقلاء أن يتفقوا على تجاهلها، إلى حرب ثأرية تأكل الأخضر واليابس، وأصبح تجاوز خطوط الانقسام السياسي خيانة لا تغتفر. لقد انتشرت بقعة النفط من كونها سياسية إلى مسألة شخصية.
قد يكون ذلك مفهوما إذا ارتفعت مخاطر السياسة، لكن الأدلة تشير إلى أن السياسة نفسها تكاد تكون غير ذات صلة. فقد اعتاد الجمهوريون في الولايات المتحدة أن يكونوا تجارا أحرارا. أما في المملكة المتحدة، فقد اعتاد المحافظون أن يكونوا مؤيدين لقطاع الأعمال. لا يبدو أن معظم ناخبيهم يعترضون على التحولات الكبيرة في برامجهم السياسية، لأن ولاءهم ينصب على أمور أخرى.
تأثير الهالة ليس بالأمر الجديد. تمت تسميته ووضع تعريف له لأول مرة من قبل إدوارد ثورندايك عالم النفس منذ أكثر من قرن. لكن لماذا أصبح الآن أكثر حدة؟ يظهر أحد هذه الأدلة من دراسة أجراها ثلاثة من علماء النفس الاجتماعي قبل عقد من الزمن، هم أنجيلا بانس وكيت بيكيت وكريستيان كراندال، درسوا مجموعات من الأصدقاء في جامعات صغيرة وأخرى كبيرة.
بدا أن الحرم الجامعي الكبير أكثر تنوعا في ظاهر الأمر، غير أنه مع وجود خيارات أوسع من الأصدقاء المحتملين، قام الطلاب بالتجمع في مجموعات يتشابهون فيها في التفكير. أما في الحرم الجامعي الأصغر، بسبب وجود خيارات أقل، أجبر الطلاب على تكوين صداقات تتسم بالاختلافات التي يحتمل أن تسبب لهم الحرج في المواقف تجاه السياسة والدين وخيارات نمط الحياة مثل التمارين الرياضية وعادة التدخين.
ربما يشبه العالم الحديث لدرجة كبيرة الحرم الجامعي الكبير، فهو مليء بالتنوع الهائل في وجهات النظر، ومع ذلك يتيح لنا جميع الخيارات للتواصل مع أشخاص نشبههم تماما. هذا الأمر يبدو واضحا على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نصمم لأنفسنا صومعة ذاتية، لكننا نتمكن فيها أيضا من اختيار برامج البودكاست المناسبة لنا والقنوات التلفزيونية المتعاطفة مع توجهاتنا السياسية. العالم مكان أوسع وأكثر تنوعا من مجرد ذلك، وهذا يعني أن خياراتنا فيمن نكرس وقتنا للقراءة له أو مشاهدته أو حتى تناول مشروب معه قد تكون آخذة في الانحسار.
لطالما كان تأثير الهالة من سمات علم النفس، وكان هناك دائما ما يغرينا بالسماح لبقعة النفط بتسميم طريقة تفكيرنا. هذا الإغراء السام يترك أي شخص ما في عزلة، مع عدم إمكانية الوفاء بمعايير النقاء الخاصة به. اليوم، تستطيع بقعة النفط الانتشار بيننا بكل حرية.

الأكثر قراءة