بيات شتوي في سوق الاكتتابات العامة الأولية

بيات شتوي في سوق الاكتتابات العامة الأولية

في العام الماضي، كانت كل شركة من مطاعم السلطة إلى متاجر الأحذية الرياضية تروج لنفسها بأنها شركات تكنولوجيا سريعة النمو، على أمل أن تحظى باستقبال أكثر دفئا من الأسواق العامة. هذا العام، حتى شركات البرمجيات تحاول أن تجعل نفسها تبدو كأنها شركة عناية بالعيون عمرها 169 عاما.
أدى تقلب السوق - الذي دفعه تباطؤ النمو وارتفاع أسعار الفائدة والحرب في أوكرانيا - إلى وضع نهاية مفاجئة لسوق الاكتتابات العامة الأولية في العام الماضي، التي حطمت أرقاما قياسية. تم جمع نحو أربعة مليارات دولار في الاكتتابات العامة الأولية التقليدية في الولايات المتحدة هذا العام، وفقا لشركة ديلوجيك، مقارنة بأكثر من 56 مليار دولار في الفترة نفسها 2021. وانخفضت الأسهم في الشركات التي تم طرحها في العام الماضي بمتوسط يزيد على 40 في المائة من أسعار طرحها.
عندما تبدأ السوق في الذوبان، فمن المرجح أن يكون المشهد الذي سيظهر مختلفا تماما. المصرفيون والمحامون الذين أمضوا العامين الماضيين في الترويج للشركات الناشئة التي تحرق النقود، قضوا الأسابيع القليلة الماضية يتحدثون بحماس عن قطاعات أقل بهرجة مثل الصناعات والمواد الخام.
قالت راشيل جيرينج، رئيسة قسم ممارسة الاكتتابات العامة الأولية في الأمريكتين في شركة إي واي EY "إن المستثمرين سيبحثون عن شركات أكبر، ذات نتائج مؤكدة بشكل أكبر وخطط نمو، شركات مربحة (...) هذه شركات أقوى لهذا النوع من البيئة".
يبدو أن باوش ولومب، شركة العناية بالعيون التي جمعت 630 مليون دولار الأسبوع الماضي، تستوفي الشروط تماما. أعلنت الشركة إيرادات بلغت 3.8 مليار دولار العام الماضي ودخلا صافيا نحو 200 مليون دولار، على الرغم من أن الأرباح ستنخفض لأنها ترث بعض الديون نتيجة لانفصالها عن شركتها الأم، باوش هيلث.
لا يمكن لشركة أن تكون أكثر رسوخا من شركة يمكنها التباهي في نشرة طرحها العام الأولي بصنع نظارات شمسية للجنود الأمريكيين خلال الحرب العالمية الثانية، لكن حتى شركة باوش ولومب مرت بفترة قاسية. فعلى الرغم من أنها أصبحت أول شركة تجمع أكثر من 500 مليون دولار منذ كانون الثاني (يناير)، إلا أن سعر الطرح العام الأولي كان أقل من نطاقها المستهدف عند 18 دولارا للسهم الواحد، وظل أقل من النطاق المخطط له مسبقا 21 إلى 24 دولارا، على الرغم من ارتفاعه عندما بدأ التداول العام الجمعة.
التخطيط لتسعير صفقة في اليوم الذي تلا اجتماع الاحتياطي الفيدرالي المرتقب بشدة لم يسعف الأمور - فقد انخفض مؤشر وول ستريت، إس آند بي 500 القياسي 3.5 في المائة يوم الخميس، ما يمكن أن يجعل الأمور صعبة على أي طرح عام أولي. يصر المطلعون على الأمر على أنه لا تزال هناك مجموعة من الشركات في أوضاع جيدة تحرص على طرح أسهمها عند تحسن الظروف، لكن تجربة شركة باوش ستكون تذكيرا صارخا لأي مرشح محتمل آخر بأنه سيتعين عليهم العمل بجهد أكبر لكسب المستثمرين.
قال بايرون ليشتنشتاين، العضو المنتدب في شركة رأس المال المغامر، إنسايت بارتنرز، التي تساعد شركات الاستثمار على الاستعداد لطرح أسهمها، إن الشركات الناشئة تلقت الرسالة وأدركتها.
في الماضي، كان تركيز كثير من الشركات ينصب على نمو الإيرادات بأي ثمن، على افتراض أن الأمور العملية مثل الأرباح ستحل نفسها بنفسها إذا تمكنت الشركة من الوصول إلى نطاق كاف. الآن، قال ليشتنشتاين "إن الشركات تبذل مزيدا من الجهد لإظهار كيف ستصبح مستدامة على الأقل".
وأضاف "ستحاول الشركات التي تطرح أسهمها الآن صياغة مقاييس كفاءة أكثر مما تفعل عادة لفتح طريق للربحية".
سيكون الاتجاه من هذا النوع مرحبا به من قبل أولئك الذين اعتقدوا أن التقييمات أصبحت غير واقعية على مدى العامين الماضيين، لكنه سيكون نذيرا بالنهاية الكاملة لازدهار الشركات الناشئة.
في 2019 عانت مجموعة من الشركات البارزة بما في ذلك أوبر، وليفت، وبيلوتون بدايات مخيبة للآمال في عالم الشركات العامة. بحلول الوقت الذي سحبت فيه وي ويرك، شركة تأجير المكاتب التي روجت لنفسها بأنها "حالة وعي"، إدراجا مخططا له في أيلول (سبتمبر)، كان الخبراء يعلنون نهاية "الوفرة الطائشة" في السوق.
لكن على الرغم من حدوث تباطؤ مؤقت، في غضون 18 شهرا عادت الاكتتابات العامة الأولية بأحجام قياسية، وكان الازدهار في شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة في أوجه، وحتى شركة وي ويرك كانت في طريقها للعودة إلى الأسواق العامة.
قد يكون الاختلاف هذه المرة هو العامل نفسه الذي ساعد على جعل رحلة شركة باوش وعرة للغاية: خطط الاحتياطي الفيدرالي لمواصلة رفع أسعار الفائدة ـ رفع البنك المركزي الأسبوع الماضي سعر الفائدة 0.5 نقطة مئوية لأول مرة منذ 2000، ومن المتوقع أن يفعل الشيء نفسه في اجتماعيه المقبلين.
في حين يؤمل أن يكون التقلب المرتبط بالحرب في أوكرانيا مؤقتا، إلا أن أسعار الفائدة الأعلى لها تأثير طويل الأجل في التقييمات عبر تقليل القيمة النسبية التي يضعها المستثمرون على أرباح الشركات المستقبلية.
قالت سافيتا سوبرامانيان، الخبيرة الاستراتيجية الكمية في "بانك أوف أمريكا"، "الدفع اليوم مقابل تحقيق النمو في المستقبل أمر حسن وجيد عندما تكون تكلفة الفرصة البديلة منخفضة، لكن إذا كنت قادرا على جني الأموال نقدا، حينها لن يكون الأمر منطقيا للغاية".
الآن هناك طرق أخرى لكسب المال. لقد تغير العائد على السندات وفئات الأصول المختلفة بشكل كبير خلال فترة زمنية قصيرة جدا، لذلك لم تعد الأسهم التي (تشتري الحلم) جذابة إذا كان بإمكانك تحقيق عوائد حقيقية على أدوات قصيرة المدة، مثل النقد، أو السلع، أو السندات المحمية من التضخم".

الأكثر قراءة