تويتر ليست ميدان المدينة .. إنها المسرح

تويتر ليست ميدان المدينة .. إنها المسرح

خلال عرض ديف شبيل سيئ السمعة، الخاص بمنصة نتفليكس العام الماضي، قال الكوميدي شيئا ما يتعلق بمنصة تويتر ظل عالقا في ذهني منذ ذلك الحين. بعد أن أوضح أنه تمت "مهاجمته" – بمعنى إهانتة أو تشويه سمعتة – على منصة التواصل الاجتماعي، قال للجمهور: "لا أهتم على الإطلاق، لأن منصة تويتر ليست مكانا حقيقيا".
مهما كان شعور المرء تجاه شبيل (يشير اعتداء جسدي تعرض له أخيرا إلى أن بعضهم لديه مشاعر معادية تجاهه) سيكون من الصعب الاختلاف معه بشأن هذه النقطة. ومع ذلك، إذا كان على المرء أن يحكم على أساس رد الفعل، من بعض الزوايا، على الأخبار التي تفيد بأن إيلون ماسك سيشتري منصة تويتر، فقد يعتقد أن الملياردير التكنولوجي ليس بصدد شراء مكان حقيقي فحسب بل العالم بأكمله: عالم لدينا جميعا حقوق الوصول إليه، ويعيش فيه تقريبا ثمانية مليارات منا ولا يمكننا الهروب منه – باستثناء، مثلا، استعمار المريخ.
قالت السناتورة الديمقراطية، إليزابيث وارين، ردا على الخبر: "لا ينبغي أن يكون مليارديرا واحدا قادرا على قلب العالم رأسا على عقب لمجرد أنه يلعب وفق مجموعة مختلفة من القواعد".
منصة تويتر ليست العالم. قد تكون هوس الصحافيين البالغين والمليارديرات الصبيانيين والرؤساء الطفوليين، إلا أنها ليست مهمة كثيرا عند الأغلبية أيضا.
غالبا ما يتم جمعها مع المنصات الاجتماعية الضخمة مثل فيسبوك أو يوتيوب، لكن المنصات هذه لديها مليارات المستخدمين النشطين حول العالم، في حين أن منصة تويتر لديها 229 مليون مستخدم نشط فقط. ومعظم هؤلاء غير متفاعلين: في الولايات المتحدة، يتم إنشاء 97 في المائة من المحتوى بواسطة 25 في المائة من المستخدمين الأكثر نشاطا، وفقا لمركز بيو للأبحاث، كما أن المستخدمين أكثرهم ذكور وأكثر ثراء وثقافة وميلا إلى اليسار من المواطن العادي.
ماسك، من جانبه، تحدث عن أهمية الصفقة بشكل لا يقل مبالغة من منتقديه. قال أغنى رجل في العالم في بيان أعلن فيه عن الاستحواذ الأسبوع الماضي: "إن منصة توتير هي الساحة الرقمية حيث تتم مناقشة الأمور المهمة لمستقبل البشرية".
كثيرا ما يستخدم ماسك وآخرون تشبيه الميدان، لكنهم مخطئون. فمن ناحية، لن يحلم معظمنا أبدا بالتحدث مع بعضنا بعضا في الحياة الواقعية بالطريقة التي نتحدث بها على منصة تويتر.
الخاصية الفريدة الوحيدة للمنصة هي تأثير شبكتها. إذا غادرها عدد كاف من الناس، فستخسر ذلك أيضا. ومن غير المرجح أن تتغلب المنصة الجديدة المدعومة من قبل المعنيين بمبدأ "حرية التعبير المطلقة"، الخاص بماسك، على العقبات نفسها التي واجهتها منصات يمينية زائفة، مثل منصتي بارلر وغاب، على أيدي شركات التكنولوجيا الكبرى.
إذا أردنا أن نعتبر الحيز العام الاجتماعي مكانا يتم فيه تجاهل المكانة الاجتماعية – حسب وصف يورجن هابرماس، الفيلسوف الألماني الذي طور المفهوم – فإن منصة تويتر ستفشل في ذلك أيضا. المكانة الاجتماعية هي كل شيء: العلامات الزرقاء بجانب اسم المستخدم وأعداد المتابعين، الذين لم يتم اكتساب معظمهم بشكل عضوي، تعمل على تضخيم أصوات مستخدمي منصة تويتر المشاهير، في حين أن أصوات الأغلبية العظمى لا تسمع أبدا. حتى أكثر المستخدمين شهرة ونسبتهم 25 في المائة من المستخدمين الأكثر نشاطا يحصلون على إعادة تغريدة واحدة فقط من متوسط 65 تغريدة في الشهر، وفقا لمركز بيو.
الحقيقة هي أن منصة تويتر ليست الميدان، إنها المسرح. ما يقال على المنصة ليس "الخطاب"، إنه أداء، حيث تدرب الجميع فيه بحذر على نصوصهم المكونة من 280 حرفا، وهم على دراية بحقيقة أنهم مراقبون ويمثلون أمام جمهورهم. يتدافع الممثلون على الميكرفون، الذي يحصلون عليه عبر إعادة التغريد أو الإعجابات عندما يقولون أمرا شائنا أو مضحكا بشكل مناسب أو يرضي الآراء. بالتالي، يمكن لأفراد الجمهور بدورهم مضايقة الممثلين والتفاعل معهم وفي بعض الأحيان يحصلون على الميكرفون هم أنفسهم عندما تقرر شخصية بارزة أن تعيد تغريد منشوراتهم. إنه نوع من ليلة الميكرفون المفتوح الجنونية والبائسة، إن شئت تسميتها كذلك.
سبب قلق أكثر مستخدمي منصة تويتر شهرة بشأن مستقبل المنصة هو أنهم يكرهون فكرة تخليهم عن ملفاتهم الشخصية التي أمضوا أعواما في إنشائها. قد يطلقون على تويتر اسم "الموقع الجهنمي" لأنه من العصري قول ذلك، لكنهم في الواقع لا يريدون خسارة ملفاتهم الشخصية ومكانتهم، مثلما لا يرغب الممثلون في خسارة شهرتهم.
كل هذا لا يعني أن منصة تويتر غير مهمة، أو أنها ليست منصة يمكن أن تكون لها تأثيرات عميقة في العالم الحقيقي. إنها مؤثرة بالفعل. لكن حتى 44 مليار دولار لا تشتري الميدان العام.
أنت، في الواقع، لست ما تغرده. لو كنا في عصر اليونان القديمة لكانت منصة تويتر أكثر قربا إلى مسرح ديونيسوس – حيث كان الجمهور غالبا غوغائيا لدرجة أن الموظفين المساعدين يضطرون لمراقبة الأروقة – من سوق أغورا، حيث كان يتم تبادل الأفكار إلى جانب البضائع.
لذلك، منصة تويتر هي المسرح، نظرا لمجدها المبهرج والمفرط والمبالغ فيه. ومن المؤكد أن ماسك، مع أكثر من 90 مليون من متابعيه، ليس أعظم رجل استعراض من بينهم جميعا.

الأكثر قراءة