شخصية ماسك الثأرية تثير مخاوف من جعل "تويتر" أكثر جموحا
يعد إيلون ماسك على نطاق واسع رائد الأعمال الأول في هذا العصر، فهو مبتكر لامع أدخل السيارات الكهربائية إلى السوق الشاملة وجعل الرحلات الفضائية التجارية حقيقة واقعة. لكن بعد الموافقة على شراء تويتر مقابل 44 مليار دولار، وضع أغنى شخص في العالم نفسه في قلب نقاش سام سياسيا حول حرية التعبير.
لماذا يريد هذا الشخص الذي لا يهدأ مبادلة أحلامه باستعمار المريخ يوما ما بمسعى أكثر تواضعا يتمثل في إدارة منصة وسائط اجتماعية متنازع عليها؟
يقول روب رايش، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ستانفورد، "هذا لغز بالنسبة إلي"، مرددا وجهة نظر شائعة في وادي السيليكون هذا الأسبوع. "إنه يعرض أعماله وخططه الأخرى للخطر من أجل القيام بماذا؟".
بوعده بإلغاء القيود التي يقول إنها تهدد حرية التعبير على تويتر، وضع ماسك نفسه في مسار تصادمي مع الجهات التنظيمية والسياسيين حول العالم.
يقول إريك جولدمان، أستاذ القانون في جامعة سانتا كلارا، الذي يعتقد أن ماسك قد يجد نفسه يتعامل مع "فيض" من المشكلات التنظيمية على تويتر، "هناك أشخاص يعتقدون أن هذا قد يكون معركة ووترلو الخاصة به".
مع ذلك، أنصار ماسك مصرون أيضا على أنه من خلال هدفه المعلن للنضال من أجل حرية التعبير، فإنه يضطلع بقضية لا تقل أهمية عن تلك التي تنتهجها شركاته الأخرى.
يقول كيث رابوا، مستثمر تكنولوجي محافظ له مشاركاته على تويتر، "إن ما يدفعه هو تحسين العالم".
أغار ماسك كالبرق على تويتر هذا الشهر بأسلوب متقلب نموذجي. فقد ادعى في البداية أنه حصل على حصة سلبية، فقط ليعكس المسار بشأن قبوله مقعدا في مجلس الإدارة، ثم استدار بعد ذلك بأيام وخرج بعرض استحواذ دونما دعوة لذلك. وتركت التقلبات غير المتوقعة أسئلة حول الدافع الحقيقي وراء أكبر استحواذ شخصي في عالم الشركات على الإطلاق - وما إذا كان حتى ماسك نفسه قد فكر في الأمر.
باتفاق عام في وول ستريت ووادي السيليكون، السبب الرئيس لماسك لملاحقة تويتر ليس الكسب المالي - على الرغم من أن الحصة السرية البالغة 9 في المائة التي بناها في الشركة في وقت سابق من هذا العام كانت بالتأكيد جيدة التوقيت. فقد تراجعت أسهم تويتر أكثر من 50 في المائة من أعلى مستوى لها العام الماضي قبل أن يشتري حصته الأولية.
وعندما جاء عرض الاستحواذ، كان لا يزال أقل 26 في المائة من سعر السهم عندما كان مرتفعا. لكن التصحيح الحاد في أسهم شركات التكنولوجيا منذ أواخر العام الماضي جعل من الصعب على مجلس الإدارة مقاومته. وبعد اعتماد ترتيب استراتيجية دفاعية لكسب الوقت للنظر في خيارات أخرى، أمسك مجلس إدارة تويتر بعد أيام على عرض ماسك بكلتا يديه.
ينبغي أن ينظر إلى عملية الاستحواذ على أنها "أكبر صفقة خيرية في التاريخ"، وفقا لما لخبير مالي متمرس في وادي السيليكون. قال، "إنه ليس نشاطا تجاريا رائعا، إنه لا ينمو، ولا يستحق ما قدمه ماسك"، مضيفا أن مديري تويتر الذين واجهوا فرصة البيع بسعر عال ربما لن يأتي مرة أخرى "كان عليهم اغتنامها".
حتى لو دفع مبالغ زائدة عن المعقول، فإن مؤيدي ماسك يجادلون بأنه يستطيع إدخال تغييرات على تويتر من شأنها تحسين خدمته وتعزيز آفاقه المالية بمرور الوقت. يقول أحد الأشخاص في دائرة ماسك، "إنه مدير إنتاج جيد بشكل فريد، فهو يرى الأشياء التي تحتاج إلى الإصلاح".
ويقر بعض المديرين التنفيذيين السابقين في تويتر أن الشركة يمكن أن تعمل مع قيادة أكثر حسما. يقول أحد كبار المهندسين السابقين إن المؤسسين المشاركين، إيفان ويليامز وجاك دورسي، اللذين عمل كل منهما رئيسا تنفيذيا، كانا غير قادرين ولا يعتمد عليهما في اتخاذ القرارات الصعبة في مواجهة الانتقادات، ما جعل من الصعب على الشركة التمسك بأي مسار عمل لفترة طويلة. وعلى النقيض من ذلك، بالنسبة إلى ماسك، فإن الشك الذاتي غير معروف عنه.
إذا كانت الدوافع التجارية البحتة لا يمكن أن تفسر اهتمام ماسك بتويتر، فإن ملكية منصة اتصالات يبلغ عدد مستخدميها 200 مليون مستخدم يمكن أن تجلب فوائد أخرى. مكانة تويتر الفريدة في عالم الإعلام ترتكز على المساعدة في تشكيل الرأي حول أهم الأخبار فور حدوثها - على الأقل بين السياسيين والصحافيين والمشاهير ورجال الأعمال الذين يتمتعون بأكبر قدر من التأثير في بيئة تردد صدى آرائهم ومعتقداتهم.
أدى انفجار الثروة التكنولوجية في الأعوام الأخيرة إلى محاولات أخرى لكسب التأثير الإعلامي. من بين ذلك شراء مؤسس أمازون جيف بيزوس لصحيفة "واشنطن بوست" مقابل 250 مليون دولار في 2013. بعد خمسة أعوام من ذلك دفع مارك بينيوف، من منصة سيلز فورس، وزوجته لين، 190 مليون دولار لمجلة "تايم".
مع ذلك، لا شيء يقترب من حجم صفقة ماسك، أو التعريف الشخصي الوثيق بين المشتري والمنصة. لقد فعلت المنصة كثيرا لتشكيل - وتضخيم - شخصيته العامة المثيرة للجدل، ويقول ماسك نفسه إنها جزء مهم من حياته. "بعض الناس يستخدمون شعرهم للتعبير عن أنفسهم، أما أنا فأستخدم تويتر"، كما قال في مقابلة مع "فاينانشال تايمز" أواخر العام الماضي.
بصفته أبرز رجل أعمال على تويتر، فهو يستخدمه للترفيه والتسلية، والتفوق على منافسيه وتصفية حساباته معهم. ففي الأسبوع الماضي، بعد الكشف عن خلاف مع بيل جيتس بسبب بيع حصة بهدف شرائها لاحقا، نشر ماسك صورة غير مبهجة للشريك المؤسس لشركة مايكروسوفت، إلى جانب تعليق صبياني مميز: "في حالة احتياجك لخسارة الإثارة بسرعة."
مثل هذه التصرفات الغريبة تسعد الملايين من أتباعه، إلا أن لها أيضا جانبا مظلما، حيث يهاجم ماسك من هم أقل قوة بطرق في الأغلب ما تؤدي إلى مهاجمته من كثير من أتباعه الأكثر حماسة. مثلا، كان مشغولا الأسبوع الماضي، بانتقاد موظفي تويتر الذين يعتقد أنهم تجاوزوا حدودهم في الرقابة على المحتوى. وجلب الهجوم ردا مقتضبا من الرئيس التنفيذي السابق لتويتر، ديك كوستولو: "التنمر ليس قيادة".
لقد غذت عمليات الثأر الشخصية لماسك المخاوف من أنه بصفته مالكا، سيشكل حتما تويتر بوجهة نظره، ما يجعل المنصة أكثر جموحا. إذا كان الأمر يتطلب التزاما بالكياسة لتحسين مستوى النقاش، فإن ماسك هو آخر شخص يتحلى بهذه الكياسة، وفقا لنقاد مثل رايش، "إنه صورة نمطية حية لإخوته اليافعين في مجال التكنولوجيا ".
لقد حققت شخصية ماسك المثيرة للانقسام على تويتر أرباحا من حيث الاهتمام الذي حظيت به. فبحلول نهاية الأسبوع الماضي، كان لديه 88 مليون متابع على تويتر، أي أربعة أضعاف ما كان عليه في 2018، عندما أدى اتهامه لعامل إنقاذ باستغلال الأطفال إلى رفع دعوى تشهير.
إلى جانب الرضا النفسي والارتقاء الشخصي الذي اكتسبه ماسك من خلال تويتر، كانت الخدمة أيضا مفيدة للغاية في مساعدته على تعزيز اهتماماته التجارية. فأن يكون مرئيا بشكل كبير على تويتر هو "جزء من علامته التجارية وإعلاناته المجانية لشركة تسلا"، كما يقول وولتر برايس، مدير محفظة في أليانز جلوبال إنفسترز ومساهم في تسلا.
كان مستثمرو تسلا من بين أولئك الذين عانوا تداعيات عرض ماسك لتويتر، حيث أدت المخاوف من احتمال اضطراره إلى بيع الأسهم لدفع ثمن الصفقة إلى زيادة التقلب في سعر سهم تسلا الأسبوع الماضي "بحلول الجمعة، اتضح أنه باع ما قيمته 8.5 مليار دولار من حصته في تسلا". لكن القليل منهم حتى الآن أبدوا أي قلق بشأن إمكانية انصرافه عن الشركة في حال استحوذ تويتر على نصيب أكبر من اهتمامه.
فمع وجود مجموعة إدارة أقوى في شركة صناعة السيارات الكهربائية "تقل الحاجة إليه الآن، باستثناء في الأمور الاستراتيجية"، كما يقول برايس، مضيفا، "كانت المخاوف بشأن بيع أسهمه فرصا جيدة للشراء في الماضي".
لكن اهتمامات ماسك التجارية الأخرى إذا أعطته سببا وجيها للسيطرة على منصة يمكنه تشكيلها وفقا لرغباته، فإن منتقديه يقولون إنها قد تعرض تويتر أيضا لضغوط سياسية قد تضر بالخدمة.
ألمح بيزوس، مؤسس أمازون وثاني أغنى شخص في العالم، إلى شيء من هذا القبيل الأسبوع الماضي. ففي إشارة إلى أهمية السوق الصينية بالنسبة إلى شركة تسلا وإمدادات البطاريات الخاصة بها، تساءل بيزوس قائلا، "هل اكتسبت الحكومة الصينية بعض النفوذ في ساحة المدينة؟"، مضيفا أن هذه "على الأرجح" لم تكن هي الحال وأن ماسك كان ماهرا في التعامل مع المواقف السياسية الصعبة مثل هذه، لكن البذرة قد زرعت.
في غضون ذلك، وفقا لماسك نفسه، كان هناك سبب بسيط للاستحواذ لا علاقة له بمصالحه الشخصية: إنه يسعى لحماية حرية التعبير. قال في مؤتمر الأسبوع الماضي: مع تغول الرقابة الزاحفة على منصات مثل تويتر، فإن "مستقبل الحضارة" يعتمد على التصرف الآن.
ويتساءل بعضهم عما إذا كان من الممكن لمالك واحد ثري لمنصة وسائط اجتماعية أن يمثل مصالح مجموعة واسعة من الناس بالطريقة التي يعد بها ماسك. يقول رايش: "أحد الأثرياء الذين يأتون لإنقاذ ساحة المدينة يدحض نفسه بنفسه".
لكن أنصار ماسك يصرون على وجوب أخذ ما يقوله على محمل الجد، وأن تويتر في حاجة ماسة إلى الإصلاح. فالمنصة تظهر "تحيزا جوهريا" و"تقمع وجهات النظر المحافظة وتشارك بنشاط في التمييز في وجهات النظر"، كما يزعم رابوا، مرددا ادعاء أصبح سائدا لدى أنصار اليمين.
من خلال الانتقال بالقضية خطوة إلى الأمام، يتبين أن ماسك دخل في نزاع حزبي شديد حول حرية التعبير ترددت أصداؤه على نطاق واسع، تشكل فيه منصات التواصل الاجتماعي نقطة محورية. وقد اجتمعت هنا قضيتان مختلفتان أدتا إلى تعقيد الخلاف، وفي الأغلب ما تتركا كلا الجانبين يتحدث في موضوعين مختلفين وهو يظن أنه يتحدث حول الموضوع نفسه.
أحدهما ينطوي على خلاف حول المحتوى، ومن يجب أن يكون لديه القدرة على إصدار أحكام بشأن ما هو مسموح به. منتقدا محاولات تويتر التخلص من المعلومات الخاطئة، يقول حليف ماسك، "ما يقصدونه بالمعلومات المضللة هو الأشخاص الذين يختلفون معهم".
المسألة الثانية هي سؤال أكثر جوهرية حول معنى حرية التعبير. يقول جولدمان، "لا أعتقد أن ماسك يستخدم المصطلح بشكل صحيح، فهذا يثير كثيرا من الجدل الذي يخطئ وجهته".
بالنسبة إلى ماسك - وكثيرين من اليمين – تعزيز حرية التعبير يعني إزالة القيود التي يزعمون أنها مصممة لقمع بعض وجهات النظر. ومن الناحية الأخرى، الأمر بالنسبة إلى اليسار أصبح يتعلق بحماية الأقل قوة من عواقب كلام الآخرين، وإيجاد بيئة يشعر فيها مزيد من الناس أن لديهم صوتا وأنهم يمكن سماعهم.
غذى هذا الاستقطاب، على طول الخطوط الحزبية، الشكوك في أن تدخل ماسك له دوافع سياسية - وهو أمر لم يفعل شيئا لإنكاره. مثلا، غرد الأسبوع الماضي حول رسم توضيحي، ملقيا اللوم في اتساع الهوة بين الجانبين على خطاب من وصفهم بالتقدميين "الناهضين".
يقول رايش، "إنه يناسب النمط التحرري التكنولوجي النموذجي" ما يضعه بشكل مباشر بين أولئك الذين يؤمنون بدور محدود للحكومة وبقوة التكنولوجيا لتحسين الحالة البشرية. هذا من شأنه أن يضعه في المعسكر نفسه مثل بيتر ثيل، المستثمر التكنولوجي الذي كان، مثل ماسك، أحد مؤسسي بي بال، وأصبح ممولا مهما للسياسيين الجمهوريين.
مع ذلك، فإن الأشخاص الذين يعرفون ماسك يقولون إن لدى الرجلين القليل من القواسم المشتركة وليسا حليفين، ومن الخطأ إسناد سعي ماسك لامتلاك تويتر إلى أي دوافع سياسية. يقول أحد حلفاء ماسك: "إنه ليس جمهوريا – وليس حتى سياسيا محافظا. إنه يؤمن بحرية التعبير وحسب. هذا ليس أمرا يؤمن به اليسار في الوقت الراهن".
لكن المنتقدون يقولون مهما كانت دوافع ماسك، فإن وعده بتخفيف القيود المفروضة على الخطاب سيؤدي إلى نتائج عكسية. وفقا لوجهة النظر هذه، من السذاجة الاعتقاد أن بإمكان ماسك التخلي عن قوانين الإشراف على المحتوى دون تحويل تويتر إلى منصة مجانية للجميع، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى موجة من الإساءات والمعلومات المضللة التي ستجتاح المنصة، ما ينتج عنه إهدار أعوام من الجهود التي بذلتها الشركة.
المنظمون في حالة تأهب لذلك. تييري بريتون، المفوض المسؤول عن السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي، سلم ماسك تقريرا أطلق عليه اسم "فحص الواقع". أخبر بريتون فاينانشيال تايمز الأسبوع الماضي أن من الممكن تغريم شركة تويتر، أو حتى حظرها، إذا لم تتبع قوانين المحتوى الخاصة بالاتحاد الأوروبي.
يقول جولدمان، أستاذ القانون في جامعة سانتا كلارا، إن تعديل قوانين الإشراف على المحتوى يعد دائما "لعبة يخسر فيها أحد الأطراف"، مضيفا، "لا يمكنك جعل أي شخص أفضل حالا دون أن تجعل شخصا آخر أسوأ حالا".
بالكاد جف الحبر في اتفاقية الاستحواذ ولن يتولى ماسك زمام الأمور في الشركة حتى أواخر هذا العام. ونظرا للسرعة التي غير بها موقعه في تويتر في الشهر الماضي فقط، فليس من المستبعد أن ينسحب من الصفقة - الأمر الذي سيكلفه غرامة قدرها مليار دولار، وهو مقدار الربح الذي حققه منذ أن استجمع حصته في الشركة تقريبا.
لكن إذا كان شغفه بحرية التعبير عميقا كما يدعي، فسيتحكم أحد أكثر مستخدمي تويتر قريبا بشكل كامل في قرارات الشركة - سواء أكان ذلك للأفضل أو للأسوأ.