تشديد سياسة البنك المركزي الأوروبي يرفع تكاليف الاقتراض
ارتفعت تكاليف الاقتراض في منطقة اليورو إلى أعلى مستوياتها منذ عدة أعوام، في وقت يسعى فيه البنك المركزي الأوروبي إلى كبح برامجه التحفيزية، ما يؤكد التحدي الذي يواجه صانعي السياسة وهم يحاولون تخفيف التضخم دون التأثير في أسواق السندات.
فقد ارتفع عائد السندات الحكومية الألمانية لأجل عشرة أعوام - معيار رئيس لأسواق الديون في منطقة اليورو - فوق 1 في المائة للمرة الأولى منذ 2015 الثلاثاء تزامنا مع استعداد المستثمرين لتوقف البنك المركزي الأوروبي عن أي إضافات جديدة إلى محفظة السندات الخاصة به، البالغة 4.9 مليار يورو، في الفترة المقبلة، يلي ذلك سلسلة من الزيادات في أسعار الفائدة، بدءا من تموز (يوليو).
كما يطالب المستثمرون بعلاوة أكبر في تكاليف الاقتراض لإقراض دول منطقة اليورو الأكثر خطورة والأكثر مديونية، في وقت يواجه فيه كثير من الدول رياحا اقتصادية معاكسة متزايدة.
وارتفعت فروق عوائد السندات الإيطالية لأجل عشرة أعوام مقابل ألمانيا، التي تعد مقياسا للمخاطر السياسية والاقتصادية في منطقة اليورو، إلى 1.9 نقطة مئوية الثلاثاء، وهو الارتفاع الأوسع منذ المراحل الأولى من الجائحة حين تخلص المستثمرون من الديون الحكومية ذات المخاطر العالية في منطقة اليورو.
قال روهان خانا، وهو خبير استراتيجي للدخل الثابت في بنك يو بي إس، "ما نشهده في الأسواق يعكس إدراكا بأن تشديد البنك المركزي الأوروبي على الأعتاب. إنها ضربة مزدوجة للحكومات الأكثر ضعفا تتمثل في زيادة تكاليف التمويل عند تخفيض توقعات النمو. أعتقد أن السوق ستحاول دفع فروق العائد الإيطالية "نقطتين مئويتين" لاختبار ما سيفعله البنك المركزي الأوروبي حيال ذلك".
وتجد إيطاليا نفسها في مرمى نيران السوق بفضل عبء الديون الهائل في روما، الذي وصل إلى مستوى قياسي بلغ نحو 160 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي بسبب التداعيات الاقتصادية للجائحة.
وفقا لفردريك دوكروزيت، الخبير الاستراتيجي في بنك بكتت ويلث مانجمينت، "القاعدة العامة" خلال أزمة ديون منطقة اليورو قبل عقد من الزمان كانت تتمثل في أن "منطقة الخطر" للفوارق بين عوائد السندات لأجل عشرة أعوام في إيطاليا وألمانيا كانت أعلى من 2.5 نقطة مئوية، لكن "قدرة تحمل الألم هذه قد تكون أعلى اليوم، ربما تصل إلى ثلاث نقاط مئوية لفروق العوائد (...) لأن آفاق نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي أعلى".
ومن المتوقع أن تصدر حكومات منطقة اليورو ديونا إضافية هذا العام بمستوى العام الماضي نفسه تقريبا، لكن من المقرر أن يشتري البنك المركزي الأوروبي القليل منها. وقدر دوكروزيت أن البنك المركزي الأوروبي سيشتري 40 في المائة فقط من صافي إصدار الدين الحكومي في منطقة اليورو هذا العام، أي أقل من أكثر من 120 في المائة في العامين الماضيين. وفي إيطاليا، من المتوقع أن يبلغ صافي إصدار الدين الحكومي نحو 80 مليار يورو هذا العام، أقل بقليل من العام الماضي، ومن المتوقع أن يشتري البنك المركزي الأوروبي نحو 45 في المائة منه، مقارنة بـ140 في المائة العام الماضي.
يقول بعض الاقتصاديين إن هذا سيكون ممكنا بفضل مزيج من النمو الاقتصادي والتضخم المرتفع وأسعار الفائدة المنخفضة وأكثر من 210 مليار يورو من المنح والقروض الرخيصة من صندوق تعافي الجيل التالي، التابع للاتحاد الأوروبي.
مع ذلك، شعر المستثمرون بالاطمئنان بسبب الاستقرار السياسي النسبي في إيطاليا منذ أن أصبح ماريو دراجي رئيسا للوزراء في أوائل 2021 ويخشى اقتصاديون أن هذا قد يتعرض للاضطراب بحلول انتخابات العام المقبل، إذا انتهى الأمر برحيل الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي البالغ من العمر 74 عاما.
قال إيرك نيلسين، كبير المستشارين الاقتصاديين في بنك يونكريديت، "في غضون ستة أشهر، أراهن أن الحديث سيكون كله حول الانتخابات الإيطالية وما سيحدث بعد دراجي".
أضاف لودوفيك صبران، كبير الاقتصاديين في شركة أليانز، "أشعر بالقلق بشأن إيطاليا"، مشيرا إلى أن الاقتصاد الإيطالي تقلص 0.2 في المائة في الربع الأول مقارنة بالربع السابق، ومن المرجح أن يتضرر بشكل أكبر من معظم أقرانه بسبب فرض الاتحاد الأوروبي حظرا على واردات الطاقة الروسية، إضافة إلى عمليات إغلاق مرتبطة بكوفيد في الصين.
يبلغ متوسط استحقاق الديون في إيطاليا سبعة أعوام ولا يزال بإمكانها إعادة تمويل كثير من السندات طويلة الأجل المستحقة هذا العام عند أسعار فائدة منخفضة. لكن دوكروزيت قال إن هذا يمكن أن يتغير إذا استمرت الزيادة الأخيرة في العائدات.
أضاف أن الأسواق كانت لا تزال تسعر على أساس "الافتراض الضمني" بأن البنك المركزي الأوروبي سيتدخل للحد من سقف فروق العوائد على ديون دول منطقة اليورو الأضعف اقتصاديا إذا لزم الأمر. وقال البنك المركزي إنه يمكن أن يكون مرنا في كيفية إعادة استثمار عوائد الاستحقاق بين السندات التي يمتلكها لمعالجة أي تشظ في أسواق السندات.
إضافة إلى ذلك، قال البنك المركزي الأوروبي إنه قد يقدم "أداة جديدة" لدعم الدول التي تواجه زيادة حادة في تكاليف الاقتراض مع ارتفاع أسعار الفائدة. لكن لويس دي غويندوس، نائب رئيس البنك، قال الأسبوع الماضي إن مجلس الإدارة "لم يناقش بالتفصيل أي برنامج جديد لمكافحة التشظي".
حقيقة أن مثل هذه المناقشات، مهما كانت مبهمة، تشير إلى أن البنك المركزي الأوروبي قلق بشأن تأثير السياسة النقدية الأكثر تشددا على فروق العوائد في منطقة اليورو ولا سيما في إيطاليا.
مع ذلك، سيكون من الصعب تصميم مثل هذه الأداة دون مزيد من طمس الخط الفاصل بين السياسة النقدية وتمويل العجز الحكومي، وفقا لروبن بروكس، كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي.
عوضا عن ذلك، من المرجح أن تؤدي الحساسية تجاه فروق العوائد الحكومية إلى إبطاء تحول البنك المركزي إلى سياسة أكثر صرامة، ما يجعل من غير المرجح أن يحقق البنك المركزي الأوروبي 0.9 نقطة مئوية من زيادات أسعار الفائدة المسعرة من قبل الأسواق هذا العام، كما يجادل.
قال بروكس، "لطالما بدا تطبيع سياسة البنك المركزي الأوروبي بالنسبة لي أمرا خياليا. كيف تفعل ذلك عندما يكون لديك هذه الديون المتراكمة؟ تقول الأسواق إن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي البالغة 150 في المائة هي قضية رئيسة. لكن إذا استمروا في مسار التشديد هذا، أعتقد أنك ستشهد اتساع فروق العوائد الإيطالية، ربما بطريقة غير منظمة".