للأسف .. العملات المشفرة خطر حقيقي على المجتمع
يقال لي دائما إن الوقت قد حان كي آخذ العملات الرقمية على محمل الجد. فقد أصبحت العملات المشفرة، كما تواصل اللازمة سائدة، فمن شركة بلاك روك إلى يو بي إس، يعكف جميع المستثمرين الكبار على استكشافها على الأقل هذه الأيام، في حين أن لدى الشركات الكبرى عشرات الملايين من المستثمرين الأفراد في كل منها.
الحكومات أيضا متفائلة تجاهها: بريطانيا تتبع نهجا تطلعيا حيث يأمل ريشي سوناك وزير المالية، في تحويل البلاد إلى مركز عالمي للعملات المشفرة، ما يضع المملكة المتحدة في منزلة قريبة من السلفادور، حيث أصبحت بيتكوين عملة قانونية قابلة للتداول. يمكنني المزاح هنا، لكن إذا لم أكن قد اشتريت العملات المشفرة، فستنعكس المزحة في الواقع علي، أو هكذا يقول الناس دوما.
مع ذلك، أحاول أن آخذ الأمر على محمل الجد قدر المستطاع، فما زلت أجد طرقا جديدة كي أحكم على العملات المشفرة بأنها سخيفة. شهد الأسبوع الماضي مهزلة يعود الفضل فيها إلى سام بانكمان فريد، مؤسس بورصة إف تي إكس للعملات المشفرة ورئيسها التنفيذي، وهي شركة قدرت قيمتها أخيرا 32 مليار دولار. ظهر بانكمان فرايد الذي قدرت ثروته أخيرا 24 مليار دولار، على قناة بلومبيرج وطلب منه شرح طريقة عمل الظاهرة الجديدة للعملات المشفرة المسماة زراعة العائد.
أثارت زراعة العائد الدهشة منذ فترة طويلة، وهي ممارسة معقدة نوعا ما تتيح للمستثمرين فرصة تحويل عملاتهم المشفرة إلى مزيد من العملات المشفرة، عن طريق اقتراض الأموال من العملاء، ومنحهم مقابل ذلك رمزا للحوكمة، وتحويل هذه العملات المشفرة إلى عملات أخرى ومشاريع التمويل اللامركزي التي تقدم عوائد عالية. هذا ليس فقط بسبب العوائد المرتفعة غير المعتادة التي تعد بها هذه الممارسة، لكن أيضا بسبب المخاوف من أن مستثمري التجزئة لا يفهمونها حقا، وبالتالي ليسوا على دراية كاملة بالمخاطر التي تنطوي عليها. لذا قد تعتقد أن بانكمان فرايد، الذي تقدم منصته هذه الممارسة تحديدا قد يحاول تمويه هذه الممارسة على أنها منتج مالي كبير.
لكن الأمر ليس كذلك. أوضح بانكمان فرايد، باستخدام تشبيه الصندوق لوصف عرض القيمة الخاص بإحدى منصات زراعة العائد هذه على النحو التالي: هذا صندوق قيم كما يتضح من خلال الأموال التي قرر الناس على ما يبدو أن يضعوها فيه. ومن نحن لنقول إنهم مخطئون في ذلك؟، ثم شرح كيف أصبح كل هذا كالنبوءة التي تحقق ذاتها، لأنه بمجرد أن يبدأ المستثمرون في الشعور بالتفاؤل حيال ذلك، يصبح الرمز أكثر قيمة وبهذا سيضخون مبلغ 300 مليون دولار أخرى في الصندوق (...) ثم يستمر ذلك إلى ما لا نهاية. وبعد ذلك يكسب الجميع المال.
أشار مات ليفين، من "بلومبيرج" وسط حالة من الذهول، إلى أن بانكمان فرايد يقول شيئا ما على هذا النحو: "حسنا، أنا أعمل في نظام بونزي، وهو أمر جيد جدا".
تعرضت الملاحظات التي أبداها بانكمان فرايد إلى سخرية أوسع، وهي بالفعل مثيرة للسخرية، لكن ما قد يكون أكثر إضحاكا هو أن ما وصفه ينطبق أيضا على بقية العملات المشفرة. ولطالما قارنت العملات المشفرة منذ فترة طويلة بأسلوب بونزي الاحتيالي رغم وجود بعض الاختلافات بينهما، مثل عدم وجود مسؤول مركزي.
العملات المشفرة، كالصندوق الذي تحدث عنه بانكمان فرايد، ليست لها قيمة متأصلة بحد ذاتها: قيمتها ببساطة هي القيمة التي يمنحها الجميع لها. ومثل هذا الصندوق الذي يوضح مؤسس بورصة إف تي إكس أنه يمكن إنشاؤه "في غضون خمس دقائق تقريبا إذا توافر الاتصال بالإنترنت، ويمكن أيضا صنع رموز العملات المشفرة بالسهولة ذاتها. لهذا السبب يوجد الآن ما يقارب 20 ألف عملة مشفرة، الأمر الذي يجعل فكرة ندرة العملات الرقمية أمرا مثيرا للسخرية.
لكن مع ذلك، هناك دائما الحجة التي تقول إن "العملات المشفرة تشبه الإنترنت تماما في أوائل التسعينيات"، أليس كذلك؟ بصرف النظر عن حقيقة أن مقارنة العملات المشفرة بأكبر اختراق تكنولوجي في القرن الماضي، فقط على أساس أن أحدا لم يفهم الإنترنت في بدايتها، يبدو كأنه أمر لا طائل منه، حيث يبدو أن فترة أوائل التسعينيات كانت متأخرة قليلا. فقد قال مارك أندريسن، صاحب رأس المال المغامر، في مؤتمر عام 2014 إن عملة بيتكوين تشبه الإنترنت عام 1994، وبحلول عام 2019 قال إنها تشبه الإنترنت عام 1992، إذن، من المفترض أننا الآن في مكان ما عام 1991.
مع ذلك، هل يمكن أن تكون هناك حجة تقول رغم كل هذا:، من المنطقي استثمار قليل من المال في العملات المشفرة؟ بالتأكيد قد يكون هناك خطر احتمال أن تصل قيمتها إلى الصفر، لكن هذه المخاطرة معروفة. وهناك أيضا خطر احتمال أنها قد ترتفع عدة مرات وتفوت تلك الفرصة عليك. ألا يمكن أن يكون هذا سببا كافيا لأخذ أمر العملات المشفرة على محمل الجد؟
كي يتحقق ذلك الاحتمال يجب على المرء أن يتخيل أن العملات المشفرة لم تتسبب بأي أذى، في حين أنها في الواقع لعبة ذات مجموع سالب. بصرف النظر عن الضرر البيئي الذي تسببه، والمليارات المفقودة في عمليات الاحتيال المباشرة، من المستحيل تخمين عدد الأشخاص الذين غرهم الأمل الزائف.
لا للأسف لن آخذ العملات المشفرة على محمل الجد، سواء كأصل أو كشكل من أشكال المال. في الواقع، لن أعدها سوى خطر حقيقي على المجتمع، وربما شيء أضحك عليه بفتور بين حين وآخر.