رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الفائدة والاستهلاك وتحفيز الادخار

تعد آلة الاقتصاد الأمريكي أدق الآلات الاقتصادية في العالم، إن الجميع يضبط القرارات الاقتصادية تبعا لمؤشرات تلك الآلة، ذلك أن الأدوات المطورة على مر العقود قد مكنت متخذي القرار هناك من الحصول على قراءات للمؤشرات الاقتصادية تقدم معلومات دقيقة عن تصرفات المستهلكين والمستثمرين وتدفقات الأموال الداخلة والخارجة للاقتصاد، ومن ذلك ما أعلنته وزارة التجارة الأمريكية أن الإنفاق الاستهلاكي الذي يمثل أكثر من ثلثي النشاط الاقتصادي الأمريكي، ارتفع 1.1 في المائة الشهر الماضي، وتم تعديل بيانات شباط (فبراير) بالزيادة لتظهر ارتفاع الإنفاق 0.6 في المائة، وليس 0.2 في المائة، كما ورد سابقا. وهناك اقتصاديون توقعوا زيادة الإنفاق الاستهلاكي 0.7 في المائة. وعند قياس التضخم يظهر مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي PCES الذي يعتمده الاحتياطي الفيدرالي معيارا، ارتفاعا في الأسعار 6.6 في المائة، في آذار (مارس) بمعدل سنوي، ويشير مصطلح مؤشر سعر نفقات الاستهلاك الشخصي PCES price index الذي يتم إصداره شهريا من مكتب التحليل الاقتصادي BEA في تقرير الدخل والمصروفات الشخصية إلى التغيرات في أسعار السلع والخدمات المشتراة من قبل المستهلكين في الولايات المتحدة ويتضمن مقاييس عدة لتتبع تغيرات الأسعار في السلع الاستهلاكية والخدمات المتبادلة في الاقتصاد الأمريكي. وأصبح هذا مؤشر التضخم الأساسي الذي يستخدمه مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عند اتخاذ قرارات السياسة النقدية، وهو يختلف قليلا عن مؤشر أسعار المستهلك CPI الذي يركز على الأسعار ويظهر أن التضخم بلغ 8.5 في المائة، وهي أعلى زيادة منذ كانون الأول (ديسمبر) 1981.
تأتي هذه الأرقام عن التضخم في وقت سجل فيه النمو الأمريكي تراجعا بنحو 1.4 في المائة على أساس سنوي، 0.4 في المائة مقارنة بالربع الأخير فقط. هذه الدقة في مراقبة الاقتصاد تمكن صناع القرار الاقتصادي في الولايات المتحدة من إعادة ضبط مفاتيح الاقتصاد الأمريكي بما يمكن هذه المؤشرات من العودة إلى الوضع الطبيعي المنشود، لكن من المناسب هنا أن نشير إلى أن الفرق بين مؤشر PCES الذي يقيس التضخم عند 6.6 في المائة، ومؤشر CPI الذي يقيسه عند 8.5 في المائة، تستند إلى الأوزان النسبية المستخدمة. فبينما يعتمد مؤشر أسعار المستهلك في المقام الأول على المسوح المنزلية، فإن الأوزان النسبية المستخدمة في مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي تستند أساسا إلى استطلاعات الأعمال، والفرق واضح من حيث الدقة في كلا المؤشرين. هذا يجعل السؤال قائما بشأن ماهية المحرك الرئيس للتضخم، هل هو الطلب القوى أم ضعف سلاسل الإمداد؟
يرى فريق أن هذا التضخم مستمر ومدفوع بالطلب، كما كان الحال في السبعينيات، ويمكن للطلب القوي أن يبقي دوامة الأسعار والأجور مرتفعة، وهو ما ذهب إليه بعض مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي، ويرون ضرورة اعتماد سياسة تدريجية في مواجهة التضخم المستمر في الارتفاع وإزاء سوق العمل التي تشهد توترا، بينما لا ينكر فريق آخر وجود بعض الضغوط التضخمية الناشئة عن الإغلاقات الأخيرة في الصين، والحرب التي فاقمت من مشكلات سلاسل التوريد العالمية، فالحرب وتطورات كورونا في الصين والعالم تشوش الصورة التي ترسمها المؤشرات الاقتصادية.
هذا يجعل مجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي الأمريكي" أمام معادلة صعبة تتعلق بنسب الفائدة، وإلى أي حد ينبغي رفعها خلال العام الحالي لاحتواء التضخم دون إغراق أكبر اقتصاد عالمي في الركود.
الإجابة عن هذا السؤال صعبة، لكن لا يمنع ذلك من ضرورة رفع نسب الفائدة لضبط الطلب دون لجمه، لأن الاستهلاك يبقى المحرك الرئيس للنمو الأمريكي.
ويرى الخبراء الاقتصاديون أن الطلب الداخلي قوي جدا، فالأمريكيون يسافرون مع أن تذاكر السفر مرتفعة الثمن ويذهبون إلى السينما والمسارح، والمطاعم ممتلئة، فالمؤشرات صحيحة بشأن الطلب القوي الذي قد يقود إلـى استمرار التضخم ومن ثم الأجور فالأسعار وهكذا، فلا بد من تحفيز الادخار لدى الأسر أكثر من الاقتراض. وبهذا، فإن قرار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي صحيح لرفع هذه النسب بشكل حذر مع زيادة قدرها 0.25 نقطة مئوية ومن المتوقع زيادتها 0.50 في المائة. إلى جانب نسب الفائدة، يتوقع أن يقر البنك المركزي الأمريكي بدء خفض خطط شراء الدين الضخمة، التي ستقلل حجم المعروض النقدي لدى مؤسسات الاقتراض والشركات. ومع ذلك، فإن النتيجة النهائية لهذه القرارات لن تكون واضحة إلا بعد مضي مدة من انعكاس تأثيرها في قرارات الأسر الأمريكية، ومن ثم قراءتها في المؤشرات. وفي حال بقيت الأسعار مرتفعة رغم زيادة نسب الفائدة، وإذا طال زمن الحرب واتسعت رقعة الإغلاقات بسبب موجات كورونا، فإن الركود سيكون ضيفا ثقيلا ولفترة من الزمن، وستزداد صعوبة وغموض القرار بشأن أين ستقف أسعار الفائدة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي