الاستثمار المستدام .. التفكير الجماعي خطأ مديري الصناديق الجسيم

الاستثمار المستدام .. التفكير الجماعي خطأ مديري الصناديق الجسيم

يوجد في إدنبرة مكتبة جديدة للأخطاء - وهي مكتبة تعنى بالشؤون المالية، مكرسة لمساعدتنا جميعا على التعلم من الكوارث التي حصلت في الماضي. خلال الأسبوع الماضي نظمت سلسلة من الفعاليات خصصتها لمناقشة تلك الكوارث.
كان يوم الأربعاء مخصصا للأخطاء التي ارتكبها مديرو الصناديق. وكان هناك بعض منها. أخبرنا بعض المديرين الشجعان عن بعض اختياراتهم الفظيعة للأسهم "كانت أسهم بنك نورذيرن روك Northern Rock تلوح بوضوح في الأفق". لكن الأخطاء الحقيقية كانت بسبب التفكير الجماعي الزائد والاحتضان المفرط للتحولات في التفكير الاستثماري - مثلا، الاعتقاد بقدرة الإنترنت على دعم أي من التقييمات التي جرت في أواخر تسعينيات القرن الماضي، أو الاعتقاد في النماذج الجديدة المعروضة قبيل الأزمة المالية.
لكن ما لم تتم مناقشته هو الخطأ الفادح الذي يرتكبه مديرو الصناديق اليوم، التبني الشديد لفكرة أن الاستثمار وفقا للمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة ESG يعد أمرا جيدا ويضمن أداء متفوقا على المدى الطويل.
من أكثر الأمور غرابة في هذا الشأن هو سرعة وحماس اعتماد هذا المبدأ - على الرغم من أن البيانات كانت قصيرة المدى جدا للخروج بأي استنتاجات موثوقة "بدأت الأموال تتدفق إلى استراتيجيات المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة بأحجام حقيقية فقط في 2015"، وأن تعريفات ما يمكن اعتباره المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة مرنة جدا في الوقت نفسه "هناك كثير من الحركة التنظيمية، مع عدم وجود مجموعة من المعايير العالمية حتى الآن" وصارمة جدا "لأن الجميع يضعون معاييرهم الخاصة ويلتزمون بها من خلال تحديد ما يتوافق مع متطلبات نظام إداري بيروقراطي صارم" ما جعلها بلا أي معنى تقريبا.
لنأخذ منصة تويتر مثالا. يمكنك البحث عن معظم الشركات عبر الإنترنت والاطلاع من خلال موقع شركة ساستينليتكس على تقييمها من حيث الاستدامة. حصلت منصة تويتر على 19.4 نقطة. هذا يعني أنها حققت كثيرا من المتطلبات وبالتالي فهي استثمار "جيد". إذن، ليس من المستغرب أن يظهر اسم تويتر في معظم صناديق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المتداولة في البورصة.
لكن توقف فقط للحظة عن التفكير في هذا الأمر. الضجة حول استحواذ إيلون ماسك على الشركة تتركز في أغلبها حول المخاوف المحيطة بحرية التعبير - وتبنيه الكامل والواضح لهذا المبدأ. يجب أن يكون هذا تذكيرا لنا بأن منصة تويتر لم تؤيد حرية التعبير كثيرا على مدار الأعوام القليلة الماضية - فقط اسأل أي شخص ينحرف عما يعده المشرفون على المنصة وجهات نظر مقبولة حول فاعلية اللقاح أو أيديولوجية الجندر، مثلا، أو حتى حول دونالد ترمب.
قد يذكرنا ذلك بأن حرية التعبير ليست مجرد مسألة جيدة من الناحية النظرية، لكنها المحرك الأساس للمساواة والديمقراطية وربما للرأسمالية الناجحة. دعونا لا ننسى، كما كتب جاكوب مشانغاما في كتابه "فري سبيتش" Free Speech، أننا بالسماح لكل فرد بتحدي النخبة "فإن حرية التعبير قد تكون أقوى محرك للمساواة ابتكرته البشرية على الإطلاق". إذا كنت تؤمن حقا بالديمقراطية والمساواة - والجوانب الاجتماعية التي تتبناها معايير الاستدامة - فهل تريد إذا أن تستثمر في شركة تعبث بذلك؟ بالطبع لا.
ولعلك تتساءل لماذا لا يتم ذكر حقوق الإنسان في كل هذا "هل يبدو هذا جيدا لكم؟". يمكنك الإشارة إلى نسبة جيدة من الشركات المدرجة في محفظة المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة وطرح حجة مماثلة.
مع ذلك، ربما لا تمانع في التظاهر بفعل الخير إذا كان من المؤكد أن تحقيقك للمتطلبات البيروقراطية سيكسبك المال. لكنها ليست كذلك. لم يشهد صندوق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، المتوسط، فترة جيدة في 2022 حتى الآن، والسبب الأداء الضعيف لأسهم النمو التي تجعل من السهل تحقيق المتطلبات البيروقراطية الخاصة بشركات التعدين التي هي نفسها لا تستوفي المتطلبات بالتأكيد.
لم تتمكن ورقة بحثية نشرها باحثون في جامعة شيكاغو أخيرا من العثور على أي دليل على أن "الصناديق عالية الاستدامة" تتفوق على الصناديق ذات الاستدامة المنخفضة. لكن في واقع الأمر، ربما يكون العكس هو الصحيح، هناك بعض الأدلة على أن الشركات تركز على المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة للتغطية على ضعف أداء أعمالها التجارية.
أثبتت الاستراتيجية أيضا انعدام قيمتها إلى حد ما كمؤشر للمخاطر "من المفترض أن تكون إحدى نقاط قوتها الكبيرة، إذا تم تنفيذها بالطريقة الصحيحة، بأن تسلط الضوء على الأقل على المخاطر المستقبلية لأي شركة". يقول إيف بونزون، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة جوليوس بير، وأظن أنه من الذين ارتدوا عن المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، "قبل اندلاع الحرب كان متوسط تصنيف المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة للشركات التي لديها عمليات واسعة النطاق في روسيا أعلى من نظيراتها التي لا تتمتع بمثل هذا الحجم من الانكشاف".
حتى في آذار (مارس) من هذا العام، كما تقول شركة أماتي جلوبال إنفيسترز، فإن ريفينيتيف، وهي شركة ممثلة لتزويد التقييم بخصوص المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، قد منحت مجموعة روزنيفت الروسية للنفط، تصنيفا أعلى كثيرا من سيريكا - شركة بحر الشمال التي توفر 5 في المائة من إمدادات الغاز للمملكة المتحدة. التي حققت كثيرا من متطلبات الإجراءات البيروقراطية.
ربما حان الوقت، كما يقول بونزون، للمستثمرين "لكي يدركوا أن المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة لا تتعلق بتحقيق أداء منهجي متفوق"، مشيرا إلى أن مزاياها تكمن في مكان آخر، "يمكن أن تكون أداة مفيدة للمستثمرين للتعبير عن قيمهم في المحافظ، وبالتالي الحصول على مزايا غير نقدية إضافية من نشاطهم الاستثماري".
غير أن المراقبين المتأملين لن يقتنعوا بهذه الجزئية أيضا "ارجع مرة أخرى إلى التفكير في مشكلة معرفة ماذا يقيسون وكيف من الممكن أن يتم ذلك". لكن على أي حال، ما حققه 2022 حتى الآن هو بعض الإشارات القوية إلى أن فكرة أن المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة باعتبارها نوعا من الفوز الاستثماري ماتت الآن. لقد حان الوقت لكي يتوقف المستثمرون عن الوفاء بمتطلبات البيروقراطية وأن يبدأوا عوضا عن ذلك في التفكير.

الأكثر قراءة