رؤية تصنع واقتصاد ينمو

تجاوز مسار النمو في السعودية خلال الفترة الماضية، مسارات مشابهة في المنطقة، والعالم أيضا، ففي الوقت الذي تسعى فيه معظم الدول إلى المحافظة على وتيرة النمو لديها، وهي تخوض معركة قاسية في ساحة التضخم، حقق الناتج المحلي قفزة كبيرة كانت الأفضل والأسرع منذ 11 عاما، حيث ارتفع في الربع الأول من العام الجاري على أساس سنوي 9.6 في المائة.
اللافت أن هذه القفزة هي الرابعة على التوالي، بعد أن تراجع النمو بفعل تداعيات جائحة كورونا، التي لا تزال عدد من الدول تعاني منها ومن آثارها، علما بأن الاقتصاد السعودي أظهر تماسكا كبيرا خلال عام الجائحة، بفضل السياسات التي اتبعتها القيادة في محاصرة الوباء والمحافظة على المكتسبات الاقتصادية عموما، ولم يكن هذا ليتحقق لولا الأدوات التي وفرتها رؤية المملكة العربية السعودية 2030 للحراك الاقتصادي العام، في سياق مخططات البناء الشامل.
وبينما تحوم الشكوك حول مستويات النمو حول العالم، بما في ذلك الصين التي تأمل في أن يبلغ بنهاية العام 5.5 في المائة، أي أقل بكثير من النمو المعتاد فيها، إلا أن الحكومة السعودية توقعت أن يصل النمو إلى 7.4 في المائة هذا العام، في حين توقع صندوق النقد الدولي أن يقفز أكثر من ذلك ويبلغ حدود 7.6 في المائة.
وهذا يعني أن الأوضاع الاقتصادية في السعودية بقيت حتى في ظل الاضطرابات العالمية المباشرة وغير المباشرة قوية، وتوافر الأرضية المتينة لاستكمال مشاريع البناء الاقتصادي، وتحقيق مستهدفات الرؤية، ضمن نطاقاتها الزمنية.
كما أن نمو الناتج الإجمالي السعودي يظل مؤشرا محوريا لشكل الاقتصاد في المرحلة المقبلة، خصوصا في ظل متغيرات وتحولات، أنتجت في النهاية عوائد جمة على صعيدي التنمية، والبناء.
ففي حين نما الناتج المحلي للقطاع النفطي 20.4 في المائة في الربع الأول من العام الجاري، بفضل ارتفاع الإنتاج ووصل سعر برميل النفط إلى ما فوق الـ100 دولار، نما أيضا القطاع غير النفطي، الذي يعد محورا رئيسا للاقتصاد الوطني 3.7 في المائة، الأمر الذي يفسر الارتفاع المطرد لحصته في الناتج المحلي كله، وهذا الجانب مهم للغاية، لأنه يمثل محورا أساسيا في ورشة البناء الاقتصادي عموما، ما يدل على نجاعة الاستراتيجية المعتمدة بهذا الشأن.
وفي الربع الأخير من العام الماضي، حقق القطاع الخاص في السعودية نموا إيجابيا 4.9 في المائة، فيما حقق الناتج المحلي الحقيقي لهذا القطاع من العام نفسه نموا 6.2 في المائة، مقارنة بالعام الذي سبقه.
ويبدو واضحا أثر إطلاق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، قبل عام تقريبا، برنامج تعزيز الشراكة "شريك" مع القطاع الخاص المخصص للشركات المحلية، فالنمو في السعودية بات بعد رؤية المملكة 2030 يستند إلى تحقيق الاستدامة في الاقتصاد، من خلال تنويع مصادر الدخل، وزيادة مرونته.
وعلى هذا الأساس، ستكون هناك قفزات أخرى على صعيد نمو الناتج المحلي السعودي في المرحلة المقبلة، خصوصا في ظل ما يميزه من سرعة باتت ضرورية الآن أكثر من أي وقت مضى، يضاف إلى ذلك، الثقة الكبيرة بأداء الاقتصاد الوطني محليا وخارجيا، فقد تمتعت السعودية بتصنيفات قوية حتى في عز تراجع الاقتصاد العالمي في عام الجائحة، وارتفع حجم الاستثمارات الأجنبية فيها، بفضل سمعتها المتماسكة.
وفي العام المقبل، كل المؤشرات تدل على أن مسيرة النمو ستمضي في بيئة اقتصادية صحية، وآفاق واضحة، وإنجازات تتحدث عن نفسها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي