الرعاية الصحية تأخذ مقعدا بين الشركات عالية النمو في الأمريكتين
هدد كوفيد كثيرا من الشركات الصغيرة والنامية بأن يكون سببا في انقراضها. سارعت الحكومات إلى تقديم الدعم، وكان على الشركات في كثير من القطاعات إيجاد طرق جديدة للعمل.
لكن بالنسبة إلى الشركات التي تتمتع بالمرونة الكافية لتحمل الضربة المباشرة على الاقتصاد - واغتنام فرص السوق الجديدة التي أتاحتها الجائحة - فقد تبين أنه كان وقتا مثمرا بشكل غير متوقع.
كانت أيضا فترة تكوين شركات جديدة على نطاق واسع، حيث اختار كثير من العمال ترك وظائفهم وبدء شيء جديد - تدفق ريادة الأعمال الذي ربما يكون قد أرسى الأساس لجيل أكبر من المشاريع سريعة النمو.
يعكس التصنيف السنوي الثالث للشركات الأسرع نموا في الأمريكتين التأثير في بعض الشركات الجديدة الواعدة في المنطقة في العام الأول من انتشار الجائحة. تم تجميع قائمة "فاينانشيال تايمز" مع شركة ستات يستكا للأبحاث، وتصنف القائمة الشركات الوافدة من جميع أنحاء الأمريكتين حسب معدل النمو السنوي المركب في الإيرادات، بين 2017 و2020.
ليس من المستغرب أن يكون قطاع التكنولوجيا في الطليعة، في الوقت الذي حلت فيه التكنولوجيا الرقمية محل المادية بالنسبة إلى كثير من الشركات. شكلت شركات التكنولوجيا 28 في المائة من قائمة هذا العام. لكن كثيرا من الشركات الأخرى المدرجة رسميا على أنها تنتمي إلى قطاعات أخرى، من التجزئة إلى التمويل، اعتمدت أيضا بشكل كبير على أنموذج الأعمال الرقمية، وهو انعكاس لكيفية انتشار التكنولوجيا عبر الاقتصاد.
تتمتع الشركات الرقمية أيضا بميزة التحرر من بعض القيود التي تحد من وتيرة نمو الشركات الأخرى، كما يقول بن ناراسين، مؤسس "تيناسيتي فينتشر كابيتال"، شركة استثمارية في مراحلها المبكرة في وادي السيليكون. مثلا، لا يتعين على شركة رقمية تتحدى القطاع المصرفي التقليدي أن تمر بعملية بطيئة ومكلفة من فتح مئات الفروع أو ملء هذه الفروع بالموظفين.
يقول ناراسين "أي شركة رقمية لديها القدرة على النمو بمعدل لا يمكن لأي شركة مادية أن تنمو فيه".
على الرغم من بروز أسماء شركات التكنولوجيا في قائمة هذا العام، إلا أن شركات الأدوية والرعاية الصحية كانت من بين أسرع الشركات التي وصلت إلى نطاق ضخم. نصف الشركات العشر الأوائل في القائمة تعمل في هذه القطاعات.
نطاق العلاجات أو الأجهزة الجديدة الناجحة لجذب مبيعات ضخمة بعد حصولها على الموافقة التنظيمية هو المسؤول عن طفرات النمو السريع لهذه الشركات، منذ البداية تقريبا.
شهدت شركة أكسونكس، التي تتصدر القائمة، ارتفاعا ضخما في الإيرادات من لا شيء تقريبا في 2017 إلى أكثر من مائة مليون دولار في 2020 حيث وجد جهازها الجديد للسيطرة على مشكلات فرط نشاط المثانة ومشكلات الأمعاء سوقا جاهزة.
لكن استدامة هذا النمو غالبا ما تعتمد بشكل كبير على طبيعة الشراكات التجارية التي أقيمت في عالم المستحضرات الدوائية. مثال على ذلك، قفزت الإيرادات في "بلوبرنت ميديسينز"، من 21 مليون دولار في 2017 إلى نحو 800 مليون دولار في 2020 بفضل نجاح علاجات السرطان الجديدة. لكن الارتفاع كان قصير الأجل. في العام التالي، تراجعت المبيعات بنسبة تزيد على 75 في المائة مع انتقال التسويق إلى شريكتها "روش"، التي تولت المسؤولية عن المنتج بموجب شروط اتفاقية تعاون سابقة بين الشركتين.
من بين شركات الأدوية الأخرى التي شاركت في موجة إطلاق منتج مهم، شركة موديرنا، وهي واحدة من عدة شركات طورت لقاحا ناجحا لكوفيد - 19. مع ذلك، يغطي هذا التصنيف الفترة التي سبقت طرح لقاح موديرنا للبيع. في العام التالي، ارتفعت إيرادات الشركة أكثر من 20 ضعفا لتصل إلى 18 مليار دولار.
لكن القائمة الأخيرة، التي تغطي الأعوام الثلاثة حتى نهاية 2020، تحقق قفزة هائلة في النشاط الرقمي في الأشهر الأولى من الجائحة، حيث أجبر الناس في جميع أنحاء العالم على العمل عبر الإنترنت والتسوق والترفيه عن أنفسهم.
الشركات التي أصبحت رمزا للطفرة التكنولوجية لكوفيد - 19 تبرز بوضوح. من بين الشركات التي تجاوزت عائداتها مليار دولار في 2020، سجلت "زوم كوميونيكيشنز" أعلى معدل نمو، بفضل الإقبال الضخم على خدمة الاجتماعات بالفيديو في الأشهر الأولى من الأزمة. "شوبيفاي"، التي أصبحت منصتها للتجارة الإلكترونية أساسا لمجموعة واسعة من تجار التجزئة الذين يتطلعون إلى الانتقال عبر الإنترنت، كانت بمنزلة طوق نجاة عندما كان العملاء عالقين في منازلهم.
يعتقد معظم المستثمرين أن هذا النوع من النمو كان لمرة واحدة: انخفضت أسهم "شوبيفاي" أكثر من 60 في المائة من أعلى مستوياتها أثناء الجائحة، بينما انخفض سهم "زوم" 80 في المائة. لكن كلتا الشركتين كانت قادرة على تجاوز الأزمة لترسيخ مكانتهما كقادة جدد في فئتيهما.
من بين شركات التكنولوجيا، هيمنت شركات البرمجيات على التنصيف. بفضل أنموذج توزيع يجعل من الممكن الوصول إلى أسواق جديدة واسعة على الفور تقريبا، كانت البرامج القائمة على السحابة - المعروفة أيضا باسم البرمجيات الخدمية أو SaaS - في وضع جيد للاستفادة منها.
أجبرت الأزمة كثيرا من الشركات على بناء بنية تحتية رقمية فورية لدعم موظفيها الذين استجد ابتعادهم، وتحويل أجزاء من عملياتها بين عشية وضحاها وتغذية النمو السريع في شركات برمجيات البنية التحتية. من بين هذه الشركات" دوكيوساين"، التي تتيح خدمتها تنفيذ العقود عن بعد، و"أوكتا"، خدمة هوية تسهل على الأشخاص التنقل عبر تطبيقات مختلفة دون الحاجة إلى تسجيل الدخول عدة مرات.
في الوقت نفسه، لعبت التجارة الإلكترونية والوسائط الاجتماعية وخدمات البث دورا أكبر بكثير في حياة مستخدميها. ارتفعت الإيرادات في "ميركادوليبراي"، الشركة الأرجنتينية، إلى ما يقارب أربعة مليارات دولار، ما يجعلها واحدة من الشركات البارزة بين شركات النمو في أمريكا اللاتينية، في حين ارتفعت شركة الأثاث ويفير ومنصة بيع المشغولات اليدوية إتسي في الولايات المتحدة.
واصلت الشركات الجديدة العاملة في مجال الخدمات المالية الرقمية احتلال مكانة عالية بين الشركات الأكثر نموا في أمريكا اللاتينية، الأمر الذي يعكس النقص النسبي لصناعة خدمات مالية متطورة في المنطقة. لكن حتى في سوق الولايات المتحدة الأكثر تطورا، ازدهرت التكنولوجيا المالية.
يقول ناراسين "إن هوامش الربح الكبيرة لكثير من الشركات القائمة في عالم التمويل جعلت أسواقها هدفا جذابا للشركات الناشئة".
يضيف ناراسين، مرددا تحذير جيف بيزوس مؤسس "أمازون" الشهير للشركات القائمة بأن "هامشك هو فرصتي"، "شركات التكنولوجيا المالية تهاجم ذلك بجنون".
من السمات البارزة في قائمة هذا العام أنه ليس فقط الشركات الصغيرة التي سجلت توسعا قويا. كان النمو على نطاق واسع سمة مميزة للازدهار التكنولوجي في الأعوام الأخيرة، وهي ظاهرة تعززت خلال الجائحة.
ارتفعت الإيرادات السنوية لشركة تسلا بمقدار 20 مليار دولار على مدى الأعوام الثلاثة التي تغطيها القائمة، ما عزز مكانتها كأول شركة سيارات جديدة منذ عقود تصل إلى نطاق السوق الشاملة. لكن حتى هذا يبهت مقارنة بـ"أمازون"، التي قفزت إيراداتها أكثر من 200 مليار دولار خلال الفترة نفسها، وهو ما يزيد على إجمالي إيرادات 499 شركة أخرى مجتمعة في 2020.