"وول ستريت" تتساءل .. ما الذي أقحمنا في البث المباشر؟

"وول ستريت" تتساءل .. ما الذي أقحمنا في البث المباشر؟

على مدار الأسبوع الماضي، استنزفت هوليوود "وول ستريت" بسبب انهيار أسعار أسهم شركة نتفليكس. وكان السؤال المهيمن: هل البث المباشر عمل سيئ حقا؟ بعبارة أكثر بساطة: ما الذي أقحمنا أنفسنا فيه؟
بعض أسهم وسائل الإعلام الأخرى انهارت مع انهيار نتفليكس – التي شكلت نقطة سخط في أوساط المسؤولين التنفيذيين الذين قضوا الأعوام القليلة الماضية في محاولة تكرار ما حققته الشركة، معتقدين أن سوق الأسهم ستكافئهم على ذلك. أخبرني بارون إعلامي متقاعد بشكل ساخر أخيرا: "لقد فعلت كل ما تريدينه".
ربما لم تتضرر أية شركة من هذا التحول المفاجئ أكثر من سبوتيفاي، التي فقدت نحو 25 في المائة من مستويات ما قبل انهيار نتفليكس مباشرة. وبشكل مشابه لشركة نتفليكس تم تخفيض القيمة السوقية لشركة سبوتيفاي إلى أقل من ثلث أعلى مستوياتها خلال الجائحة ـ إلى ما دون 19 مليار دولار.
لوضع هذا في سياق أكثر وضوحا، شركة سبوتيفاي على الرغم من الاعتراف الكبير بعلامتها التجارية، تساوي الآن تقريبا قيمة شركة سينسيناتي فاينانشيال، وهي شركة تأمين في أوهايو، وأقل كثيرا من فاستينال، التي هي شركة مصنعة لمستلزمات البناء في مينيسوتا.
أتوقع أن يحاول جميع الرؤساء التنفيذيين في مجال وسائل الإعلام في الأسابيع المقبلة إقناع "وول ستريت" بأنهم، في النهاية، لا يشبهون شركة نتفليكس كثيرا. إذن، هل من العدل إعادة تقييم سبوتيفاي؟ حاليا القيمة السوقية للشركة نحو ضعفي إيراداتها البالغة عشرة مليارات دولار العام الماضي. بالمقارنة، القيمة السوقية لشركة نتفليكس، البالغة 88 مليار دولار، تعادل نحو ثلاثة أضعاف إيراداتها في 2021.
هناك أوجه تشابه واضحة بين "سبوتيفاي" و"نتفليكس". كلتاهما كانت رائدة في مجال البث المباشر، كل في صناعتها الخاصة. وتمكنت كلتاهما من جذب مئات الملايين من المشتركين وبناء علامات تجارية معروفة حول العالم. وكلتاهما تحت ضغط لمواصلة النمو السريع، لأن أسعار أسهمهما تعتمد على ذلك. وقضت كلتاهما الأعوام القليلة الماضية في البحث حول العالم عن مشتركين جدد للنمو.
لكن أوجه التشابه تتوقف في الأغلب عند هذا الحد، لأن صناعة الموسيقى لها ديناميكيات مختلفة تماما عن صناعة التلفزيون والأفلام.
أولا، صناعة الموسيقى مركزة بشكل كبير – أربعة كيانات تتحكم في نحو 80 في المائة من فهرس الموسيقى في منصة سبوتيفاي. أما صناعة الأفلام فمجزءة ومعقدة. هناك عشرات الاستوديوهات، التي تراوح أحجامها من صغيرة إلى هائلة، جميعها تنتج الأفلام المشهورة التي نشاهدها على الشاشة الصغيرة.
ثانيا، لا تمتلك شركة سبوتيفاي أي محتوى خاص بها، باستثناء دفعة البودكاست الحديثة. حاولت الشركة الدخول في عالم الموسيقى بحذر قبل بضعة أعوام، حين وقعت عقودا مع نحو عشرة من الفنانين غير المعروفين. وقتها ثارت ثائرة شركات الموسيقى الرئيسة، فتخلت "سبوتيفاي" عن الأمر. في الوقت نفسه أصبحت "نتفليكس" أحد أكبر الاستوديوهات في هوليوود عبر قوة الأموال والإرادة.
ثالثا، تبيع "سبوتيفاي" منتجا مطابقا تقريبا لمنتجات منافسيها. بالتأكيد، هناك قوائم تشغيل موسيقى وواجهات مختلفة. لكن "سبوتيفاي"، وأبل، وأمازون، وجوجل وعدة شركات تبيع وصولا لـ80 مليون أغنية هي نفسها التي تبيعها الشركات الأخرى. لكن "نتفليكس" لديها مسلسلات تختلف عما تقدمه شركة ديزني، أو إتش بي أوه ماكس.
في الماضي بدت بعض هذه الاختلافات كأنها نقاط ضعف لشركة سبوتيفاي. حقيقة أنها تقدم المنتج نفسه الذي تقدمه أغنى شركات التكنولوجيا في العالم – أبل وجوجل وأمازون – جعلت من الصعب على "سبوتيفاي" أن ترفع سعر الاشتراك بخدماتها. ولا يزال قسط اشتراكها المميز يكلف عشرة دولارات شهريا في الولايات المتحدة ـ السعر نفسه عندما تم إطلاق المنصة 2011.
لكن مع بلوغ التضخم في الولايات المتحدة أعلى مستوياته منذ 40 عاما، بدأ الأمريكيون يعيدون التفكير في ميزانياتهم. ويعد دفع عشرة دولارات شهريا مقابل كل أغنية على وجه الأرض تقريبا سعرا بخسا نسبيا، مقارنة بمنصة نتفليكس، التي تكلف 16 دولارا شهريا مقابل حزمتها العادية في الولايات المتحدة ولا تقدم سوى جزء صغير من المسلسلات والأفلام المتاحة. وقد يكون عدم أي شيء مقابل خيار منصة سبوتيفاي المجاني، مع الإعلانات، صفقة أفضل بالنسبة لبعضم.
لقد كان من المحير بعض الشيء رؤية "وول ستريت" تغير رأيها بهذه السرعة بشأن شركات البث المباشر. نعم، أسعار الفائدة آخذة في الارتفاع وأسهم النمو المضخم شهدت انخفاضا في مضاعفات التقييم الخاصة بها. لكن تحديات أنموذج البث المباشر كانت دائما على مرأى الجميع. أنموذج عمل شركة سبوتيفاي، ببساطة، صعب. فهي لا تمتلك المنتج الذي تبيعه: الموسيقى. لذلك دفعت سبعة مليارات دولار مقابل رسوم الترخيص في 2021. بالتالي هي شركة منخفضة الهامش ـ حققت في العام الماضي 94 مليون يورو فقط من الدخل التشغيلي مقابل 9.7 مليار يورو في الإيرادات.
على مدى الأعوام العديدة الماضية، امتلأ صندوق الوارد الخاص بي بشركات ناشئة تصف نفسها بأنها "سبوتيفاي للصناعة س". قد يكون أحد أسباب ذلك هو مدى دعم المستثمرين للاستثمار الكبير المطلوب لبناء خدمات البث المباشر. بعبارة أخرى: ترف تبذير النقود. يبدو أن هذه الميزة بدأت تنفد بالنسبة لشركتي نتفليكس وسبوتيفاي.

الأكثر قراءة