مادة إعلامية تستحق الثناء
تتنوع المواد الإعلامية التي تعرضها القنوات الفضائية، ويعود التنوع في المقام الأول إلى الفلسفة الإعلامية التي تتبناها القناة، فالبعض قد يكون منهجه قائما على الترفيه، وأخريات تتبنى المنهج البرامجي الجاد، وثالث مختلط يجمع بين الترفيهي والجاد، ويدخل ضمن العوامل المؤثرة في نوع البرامج، الفائدة الاقتصادية المتمثلة في الدعاية والإعلان المدفوع الذي يتخلل المادة الإعلامية المعروضة.
المشاهد هو من يختار القناة التي ترضي رغبته، وتتناسب مع ما يقتنع بفائدته بالنسبة له، ولذا تجتهد القنوات في رسم خططها الإعلامية، والبرامج التي تراها مناسبة للظرف الزمني، وبما يحقق لها مشاهدين أكثر، حتى تحقق مكاسب مادية ومعنوية أكثر في الوسط الاجتماعي الذي تستهدفه من البرنامج، أو المسلسل.
خلال ما مضى من أيام رمضان، ومع التنقل بين القنوات بحثا عن المناسب المفيد استرعى انتباهي برنامج بعنوان "كفو" تعرضه القناة الرسمية لمملكة البحرين، وأول ما لفت انتباهي هو عنوان البرنامج الذي يكشف عن فكرته القائمة على التكريم لأناس ليسوا من المشاهير، بل بالأحرى هم أفراد من عامة الناس ومغمورين، إلا أن أرواحهم السامية الزكية ارتقت، وحلقت بهم لأعمال تشرفوا بها، وغيرت مسيرة آخرين تأثروا واستفادوا من أعمال هؤلاء.
البرنامج يبحث عن هؤلاء الذين قدموا أعمالا جليلة استحقوا بسببها التكريم والاحترام، ولعل من المناسب ذكر أمثلة لهذه الأعمال دون ذكر الأسماء، لا لشيء، إلا أني لا أحفظها، أولى هذه الحالات تتمثل في شخص توفي والداه في صغره، وقامت على رعايته في البداية خالته، لكن الرعاية لم تستمر طويلا، ما اضطر الطفل ذا الـ 12 عاما إلى ترك منزل خالته واتخذ من المسجد مكانا للنوم، والحديقة مكانا للهو في النهار مع أقرانه، حيث ألح عليه أحدهم في معرفة بيته ليخبره بحقيقة وضعه، فما كان من قرينه إلا إبلاغ أمه التي أصرت على إسكانه معها في البيت، ورعايته، كما لو كان أحد أبنائها، ويواصل دراسته، ويبني مستقبله في هذه الرعاية الكريمة، حتى أصبح بطل العالم في كمال الأجسام.
الحال الثانية كانت لشاب وقع في المخدرات ليجد نفسه ضائعا، وأقرب لحالة التشرد، مع أنه متزوج، ولديه ابنة سماها «أمل»، على أمل أن يتخلص من هذا البلاء الذي دمر حياته، وكاد يموت بسبب الجرعة الزائدة، لولا لطف الله به، إذ كان الأطباء في المستشفى ينتظرون خروج روحه لحالة اليأس من إمكانية حياته، لولا الإفاقة التي حدثت فجأة، ويتحول بعدها إلى محارب للمخدرات، وساع لمساعدة المدمنين على التخلص منها، ويحقق نجاحات باهرة في هذا المجال لخبرته الصعبة التي مر بها.
الحال الثالثة: كانت لصاحب القارب الذي كان في عرض البحر، حين سمع صوتا يشبه الانفجار، فاتجه بسرعة نحو الجهة التي جاء منها الصوت، وإذا بها عائلة كانت تستقل قاربا اصطدم به دباب بحري كان يسير خلف العائلة، وفجأة حدث الاصطدام لتكون العائلة خارج القارب، ويسقط صاحب الدباب في البحر، ومع هول المشهد يقوم بإنقاذ العائلة وصاحب الدباب، مع ما قد يترتب على ذلك من مخاطرة، وتضحية بحياته.
الحال الرابعة: تتمثل في طبيب بحريني متقاعد، إلا أنه مع جائحة كورونا ألح عليه ضميره للاستجابة لنداء خدمة أبناء وطنه ليعود للعمل مع تقدمه في السن، والمخاطرة في إمكانية إصابته بالعدوى، كما أن مختصة المختبرات الطبية هي الأخرى كانت تعمل أضعاف ساعات العمل الرسمية بهدف إنجاز أكبر عدد من الفحوص لمواجهة الجائحة، والحد من انتشارها وذلك في المبادرة بتشخيص الحالات المراجعة للمستشفى، وتحديد الحالات المصابة، والمسارعة بعزلها، وعلاجها.
ترتيبات التكريم تتمثل في وضع المكرم في مكان معزول، ومن خلال شاشة أمامه يرى أشخاصا يعلقون ملصقات عليها صورته، وعبارات ثناء، وتقدير، إضافة إلى حديث المستفيدين من خدمته بالثناء عليه، ثم يخرج ليسير في ممر يقف على جانبيه رجال ونساء يحيونه بالتصفيق ليجد في نهاية الممر من ينتظره، ويعانقه بحرارة، ودموع ويقلده الوسام.
ما الذي يجمع بين هؤلاء المكرمين؟
ما من شك أن خصال الشجاعة، والكرم، والإيثار والوفاء للوطن، والمشاعر الإنسانية النبيلة كانت ركائز شخصيات هؤلاء النبلاء الذين أعطوا، وضحوا، ووقفوا، وساندوا دون مقابل، ولذا يكون بث وإظهار هؤلاء الأفراد ليس للفرجة، وإنما لترسيخ القيم التي بنيت عليها المجتمعات الخليجية ليكون هؤلاء قدوة للأجيال، لأن أي مجتمع يحتاج إلى مثل هؤلاء في يوم من الأيام، ولحظة من اللحظات.
ما من شك أن تلفزيون مملكة البحرين الرسمي ومن فكر في البرنامج، والقائمين عليه، يستحقون الشكر والتقدير لأنهم بهذه الفكرة الرائدة التمسوا الطريق الصائب لجذب المشاهد وترسيخ القيم.