رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


استدامة مرتبكة .. ومعايير جديدة

من الواضح أن الضغوط العابرة أو تلك التي تتطلب وقتا للتخلص منها، تسهم مباشرة في إرباك الميدان التجاري العالمي، والغريب أن شركات كبرى عابرة للقارات، تواجه هذه المشكلة ضمن دوامة يبدو أن لا نهاية قريبة لها. ومن أهم المعايير التي ينبغي على أي قطاع أن يتمتع بها، هي تلك المرتبطة بالاستدامة، وهذه نقطة مهمة، وقد لا تتعلق بمصير هذه الشركة أو تلك، لكن ترتبط ارتباطا وثيقا بأدائها وتطورها ومخططاتها المستقبلية، بما في ذلك رفع مستوى الإنتاج، وتوسيع نطاق التصدير، وضمان استمرارية سلسلة خطوط الإنتاج عموما.
والسبب في هذه الثغرة لا يعود إلى عدم معرفة جهات التصدير المعنية بوجود هذه الأزمة، فالجميع يعرفها، لكن يرجع إلى المشكلات التي تواجه حركة التجارة العالمية عموما، وعلى رأسها الاضطراب الذي طال سلاسل التوريد، وتحول في الأعوام القليلة الماضية إلى قلق مستمر.
من هنا يمكن النظر إلى نتائج الدراسة الموسعة التي أجرتها شركة أليانز تريد، وشملت 2500 شركة في ست دول صناعية، فقد جاءت بنتائج مفاجئة بالفعل، خصوصا عندما توصلت إلى أن 74 في المائة من هذه الشركات لا تراعي في اختيار أسواقها للتصدير الجوانب المتعلقة بالاستدامة، بل إنها لا تراعي معايير الحوكمة التي باتت في العقدين الماضيين العنصر الأهم لتكريس قوة الشركات، خصوصا تلك التي تحمل أسماء رنانة على الساحة العالمية.
والمسائل المتعلقة بالاستدامة هنا، تشمل بالدرجة الأولى الحوكمة، إضافة إلى جوانب بيئية واجتماعية مختلفة، علما بأن هذه النقاط صارت تمثل حجر الزاوية ضمن الاستراتيجية العالمية الهادفة للمواءمة بين الحراك التصنيعي والتجاري والخدمات، وتقليل الإضرار بالمناخ والبيئة عموما.
والسؤال الذي يفرض نفسه الآن هو، إذا كان وضع ثلثي الشركات في أبرز الدول الصناعية عالميا هكذا، فكيف الحال بالشركات في الدول الأخرى؟ فرغم عدم وجود دراسة حديثة بهذا الشأن إلا أن الأرجح أن الوضع سيكون أشد وطأة في تلك الدول من هذه الزاوية المهمة.
بالطبع لا توجد شركة تفضل التدخل في مسار بعيد على الاستدامة وما توفره من معايير ومتطلبات، لكن الارتفاعات المفاجئة لتكاليف الإنتاج، إلى جانب الزيادات الكبيرة في أسعار الطاقة والنقل، إضافة إلى مشكلة سلاسل التوريد الرئيسة، فضلا عن الارتفاع المستمر في تكاليف التمويل، في ظل تحولات اقتصادية أسهمت فيها بصورة أو أخرى تداعيات أزمة جائحة كورونا، كل هذا دفع الشركات إلى البحث عن موردين أقل استدامة، كما أثرت بصورة مباشرة في اختياراتها لأسواق التصدير.
لا شك أن الشركات المعنية تفضل أن تدخل في المسار الأكثر استدامة بأسرع وقت ممكن، إلا أن المتغيرات الحالية، بما في ذلك تشريعات تضيف مزيدا من الضغوط عليها، وسعت نطاق المسار المعاكس.
ورغم أن التجارة العالمية انتعشت في العام الماضي بعد تخفيف القيود التي فرضت حول العالم بسبب كورونا، إلا أن استمرار أزمة سلاسل التوريد ستضغط عليها هذا العام، إلى جانب قيام معظم الحكومات بالتخلي عن حزم الإنقاذ التي بلغت عشرات التريليونات من الدولارات.
سيكون المشهد مع نهاية العام الحالي أكثر اضطرابا على صعيد التجارة العالمية، وبالتالي لا توجد مؤشرات على تحول الشركات إلى منهجية تستند إلى الاستدامة والحوكمة على الأقل في المدى القريب، فغياب الاستقرار في الساحة التجارية يفرض معاييره أيضا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي