التضخم يطل برأسه في وسط أوروبا وشرقها

التضخم يطل برأسه في وسط أوروبا وشرقها
في بولندا بلغ معدل التضخم السنوي 11 في المائة الشهر الماضي. «بلومبيرج»

تختبر الحرب والتوترات السياسية وتدهور آفاق الاقتصاد الكلي مهارات البنوك المركزية في هنغاريا، بولندا، ورومانيا. إنها تشكل التحدي الثالث الكبير في المنطقة بعد الأزمة المالية في 2008 والانتقال من الشيوعية إلى اقتصاد السوق في التسعينيات.
شهر بعد شهر، ترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة للحد من ضغوط التضخم التي كانت ترتفع أصلا قبل الحرب الروسية - الأوكرانية في شباط (فبراير) التي أدت إلى ارتفاع أسعار النفط، الغاز، المعادن، الأغذية، والأسمدة. لكن لا تزال أسعار الفائدة الحقيقية في عمق المنطقة السلبية، في إشارة إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من الارتفاعات لتقليل توقعات التضخم أو تثبيتها.
بالنسبة إلى البنوك المركزية، فإن السؤال هو: ما مدى ارتفاع وسرعة رفع أسعار الفائدة دون الإضرار بالتعافي الاقتصادي بعد الجائحة الذي كان يتشكل قبل شباط (فبراير)؟ لسوء الحظ، بعض العوامل التي قد تسهل مهمة هذه البنوك تقع خارج نطاق سيطرتها.
تأمل هنغاريا، بولندا، ورومانيا في الحفاظ على النمو الاقتصادي بمساعدة عشرات المليارات من اليوروهات من صندوق التعافي بعد كوفيد التابع للاتحاد الأوروبي الذي تبلغ قيمته 800 مليار يورو. لكن الخلافات حول سيادة القانون مع بروكسل تعني أن هنغاريا وبولندا لم تتلقيا سنتا واحدا من الصندوق، في حين تستمر الشكوك حول قدرة رومانيا على استيعاب أموال الاتحاد الأوروبي بكفاءة.
كتب جاكوب سوالسكي وليفون كامريان من وكالة سكوب ريتينجز الأسبوع الماضي أن البنوك المركزية في المنطقة بحاجة إلى إدارة التضخم دون زيادة تكاليف خدمة الديون بشكل مفرط. "توقعات التضخم آخذة في الارتفاع. وسيستمر تقلب العملات وسط تدفقات رؤوس الأموال المحتملة إلى الخارج، ما يضغط على احتياطيات النقد الأجنبي حتى مع تشديد البنوك المركزية للسياسة النقدية".
هنغاريا هي مثال على ذلك. رفع مصرفها المركزي سعر الفائدة الأساسي 100 نقطة أساس الشهر الماضي إلى 4.4 في المائة، لكن التضخم السنوي يبلغ حاليا 8.5 في المائة. يقدر البنك المركزي أن متوسط التضخم هذا العام سيكون 7.5 في المائة إلى 9.8 في المائة.
من الواضح أن مزيدا من الزيادات في أسعار الفائدة آتية. يرى بيتر فيروفاكز من مصرف آي إن جي فرصة لسعر فائدة حقيقي إيجابي بحلول نهاية هذا العام، ما قد يعني على الأرجح 8 في المائة أو أعلى. لكن البنك المركزي في هنغاريا لا يعمل في فراغ سياسي.
قبل الانتخابات البرلمانية هذا الشهر، توددت الحكومة الهنغارية للناخبين من خلال مدفوعات الإعانات الاجتماعية السخية وتسويات الأجور والتخفيضات الضريبية. أدت هذه الإجراءات إلى زيادة العجز في الميزانية في هنغاريا، التي تعرضت لمزيد من الضغط من النفقات المتعلقة بالحرب في أوكرانيا.
انخفض الفورنت في أوائل آذار (مارس) إلى مستوى قياسي بلغ 400 أمام اليورو. استقر منذ ذلك الحين، لكن لطمأنة المستثمرين، يجب على الحكومة أن تسيطر على الإنفاق العام. لكن خفض الإنفاق وارتفاع أسعار الفائدة ارتفاعا حادا، إلى جانب عدم القدرة على الوصول إلى صندوق الانتعاش الأوروبي، من شأنه أن يضع الاقتصاد الهنغاري تحت ضغط كبير.
في بولندا بلغ معدل التضخم السنوي 11 في المائة الشهر الماضي ومن المتوقع أن يبلغ متوسطه المعدل نفسه للعام بأكمله. في السادس من نيسان (أبريل)، رفع بنكها المركزي سعر الفائدة القياسي 100 نقطة أساس إلى 4.5 في المائة. يتوقع آدم أنتونياك من مصرف آي إن جي أن يرتفع المعدل إلى 6.5 في المائة هذا العام و7.5 في المائة في 2023.
لذلك قد تظل أسعار الفائدة سلبية هذا العام، حتى مع تصاعد الضغط على الجانب المالي. أدت الحرب في أوكرانيا إلى زيادة الإنفاق على الدفاع والتعليم، إضافة إلى الرعاية الصحية والحماية الاجتماعية لأكثر من 2.5 مليون لاجئ وصلوا إلى بولندا بحلول أوائل نيسان (أبريل).
علاوة على ذلك، تخطط الحكومة لخفض معدل ضريبة الدخل الشخصي إلى 12 في المائة من أصل 17 في المائة وإدخال مزايا ضريبية أخرى. هذه الإجراءات تجعل مهمة إدارة توقعات التضخم ملحة بشكل خاص. يشير آدم جلابينسكي، محافظ البنك المركزي، عن حق إلى الأساسيات القوية للاقتصاد البولندي. لحماية هذه الأساسيات، قد يرفع أسعار الفائدة بشكل أقوى مما يتوقعه بعض المستثمرين.
في رومانيا ارتفع معدل التضخم السنوي إلى 10.2 في المائة في آذار (مارس)، لكن معدل الفائدة الرئيس لم يتجاوز 3 في المائة على الرغم من زيادة 0.5 نقطة مئوية في أوائل نيسان (أبريل). يتوقع اقتصاديون أن يبلغ متوسط التضخم هذا العام نحو 9 في المائة.
بالنسبة إلى البنك الوطني الروماني، تكمن الصعوبة في أن أسعار الفائدة المرتفعة تبدو ضرورية لكن النمو الاقتصادي آخذ في التلاشي. يقول فالنتين تاتارو من مصرف آي إن جي، "يبدو أن استراتيجية ‘افعل القليل وأمل أن يصمد‘ كانت الأداة المفضلة حتى الآن وليس لدينا سبب كاف لتوقع أي تغيير في موقف السياسة".
إن اقتصادات وسط أوروبا وشرقها معرضة لتداعيات حرب أوكرانيا. وللدفاع عنها، تحتاج المنطقة إلى بنوك مركزية مستعدة لترويض التضخم - لكن تحتاج أيضا إلى حكومات مستعدة لاتخاذ قرارات صارمة بشأن الإنفاق والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي.

الأكثر قراءة