عاملات القطاع غير الرسمي محرك الانتعاش العالمي
منذ أعوام، زرت مقاطعة ريفية في الهند والتقيت مجموعة من المزارعات اللاتي كن جزءا مما يسميه اقتصاديون "القوى العاملة غير الرسمية". هؤلاء النساء هن العمود الفقري الاقتصادي لمجتمعهن. لقد جمعن أموالهن لشراء البذور، حتى يتمكن من إعالة أسرهن وبعضهن بعضا. أسهم كدهن إلى حد كبير في اقتصاد البلد، كما هو فعل ملياري من العمالة غير الرسمية في جميع أنحاء العالم.
لم يتم توظيف هؤلاء المزارعات في أي شركة ولم يحصلن على شيكات أجور منتظمة. ربما لم يظهرن في الإحصاءات الحكومية للقوى العاملة. عندما ضرب كوفيد - 19، استخدم كثير من هؤلاء العاملات غير الرسميات مهاراتهن لمساعدة مجتمعاتهن وبلادهن على تجاوز الجائحة. لكن كما هي الحال في كثير من الأحيان، غالبا ما أغفلت الحكومات مساهماتهن وقللت قيمتها. من الناحية الاقتصادية، خسرن أكثر من أي شخص آخر تقريبا. في تحليل أجري في 2020 على عشر دول، كان فقدان الوظائف أعلى مرتين إلى ثلاث مرات بين العمال غير الرسميين مقارنة بالعاملين رسميا. ليست لدى هؤلاء شبكة أمان يمكنهم الاستناد إليها، حيث لا يمكنهم طلب إجازة مرضية مدفوعة الأجر، ولا يملكون تأمينا ضد البطالة.
أمام العالم الآن فرصة كبيرة لفعل ما هو أفضل من ذلك. إذا وضع القادة، بمن فيهم وزراء المالية الذين شاركوا في اجتماعات البنك وصندوق النقد الدوليين الأسبوع الماضي، العاملات غير الرسميات في قلب خططهم للتعافي الاقتصادي، فسيسددون دينا ضخما. علاوة على ذلك، سيتمكنون أيضا من زيادة نمو اقتصاداتهم بشكل أسرع.
عندما تفقد النساء العاملات في الحقول والأسواق والمنازل في جميع أنحاء العالم سبل عيشهن، فإنهن وعائلاتهن سيعانين بالتأكيد. لكن الاقتصادات ستعاني أيضا. يمثل العمل غير الرسمي 60 في المائة من مجمل العمالة العالمية. في إفريقيا والهند، هناك ما يصل إلى تسع من كل عشر نساء يعملن في وظائف غير رسمية.
أما في الوقت الحالي، وبفضل ضخ مبلغ 93 مليار دولار من مؤسسة التنمية الدولية التابعة للبنك الدولي، فقد سنحت الفرصة للحكومات في الدول منخفضة الدخل لاتخاذ إجراءات حاسمة لدعم هؤلاء النساء ودفع عجلة اقتصاداتها.
أولا، يجب على الدول أن تستثمر في رعاية الأطفال. هذا مجرد منطق عام: عندما يتم الاعتناء بأطفالهن في بيئة آمنة، يستطيع عدد أكبر من النساء العودة إلى أعمالهن أو بدء عمل جديد. بعد أخذ هذا كله بعين الاعتبار، تقدر مجموعة أوراسيا أن توسيع الوصول إلى رعاية الأطفال للعائلات التي لا تملكها حاليا يمكن أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي العالمي أكثر من ثلاثة تريليونات دولار. في مؤسسة جيتس، نستثمر في صندوق حافز رعاية الأطفال التابع للبنك الدولي الذي سيساعد الحكومات على تمويل النماذج الواعدة.
ثانيا، يجب على الدول توجيه مواردها المالية، بما في ذلك التحويلات النقدية إلى النساء اللاتي قضت الجائحة على أصول كثير منهن. من أجل دعم النمو الاقتصادي، ينبغي على الدول زيادة الوصول إلى ائتمان ميسر للنساء، اللاتي لا يستطعن في كثير من الأحيان الحصول على التمويل الذي يحتجن إليه لبدء الأعمال التجارية وتنميتها. توسيع الإقراض المصرفي وتوجيه الأموال إلى المؤسسات التعاونية مثل تلك التي رأيتها في الهند من شأنه أن يغير مصير هذه القصة، من خلال توفير السيولة وإعادة بناء الأصول وتشجيع النمو، لا سيما في القطاع الخاص.
ثالثا، ينبغي على الدول استخدام البيانات بشكل أفضل كي تتابع التحديات والتقدم. من أجل حل مشكلة ما، يجب أن تكون قادرا على رؤيتها. في كثير من الأحيان، لا يفهم القادة كيف تتحمل النساء العبء الأكبر من المعاناة وكيف يؤثر ذلك في الاقتصادات، لأن هذه ليست الطريقة التي يحللون بياناتهم بها. من خلال تصنيف البيانات الاقتصادية والإنمائية باستمرار بحسب الجنس والخصائص الرئيسة الأخرى، يمكن للدول الحصول على صورة أوضح، وفي النهاية سيساعدهم ذلك على استنباط سياسات أكثر فاعلية. في المكسيك المعلومات التي تم جمعها على مدى عدة أعوام من القطاع المالي والدراسات الاستقصائية للمواطنين سمحت للقادة برؤية الفجوات التي تحول دون وصول المرأة إلى الخدمات المالية ومن ثم تضييقها.
عندما تمنع الفتيات الأفغانيات المتحرقات للتعلم من الالتحاق بالمدارس وتتعثر النساء الأوكرانيات الحوامل خارج مستشفيات الولادة التي تتعرض للقصف، يصعب حينها التفكير في أي شيء آخر. هذه الفظائع خطيرة. وهي ليست بمعزل تماما عن الإهمال الاقتصادي للمرأة. عندما نبني عالما يتمتع فيه الأشخاص الأكثر بعدا عن الفرص الاقتصادية بفرصة متساوية للازدهار والقيادة، فإننا نبني عالما أكثر سلاما ومقاومة للصدمات.
بينما يسعى قادة العالم إلى إيجاد حلول للتحديات المالية والصحية والأمنية المتزايدة، يجب ألا يتجاهلوا العاملات غير الرسميات اللاتي يسندن مجتمعاتهن بطرق لا تعد ولا تحصى وغالبا ما تكون غير مرئية. يمكن أن يكون هؤلاء محرك انتعاشنا العالمي. يجب أن نراهن. لكن ما هو أكثر من ذلك، يجب أن نقدم لهن الدعم، بالأفعال وليس بالكلمات فقط.
* الرئيسة المشاركة لمؤسسة بيل وميليندا جيتس