لتكون أكثر تنوعا وقوة

في بداية العام المالي أصدرت وزارة المالية السعودية توقعاتها بشأن آفاق النمو الاقتصادي في المملكة ودول الخليج العربية، وقد كان هناك تفاؤل واسع حيال النمو في دول المنطقة، ويعود ذلك التفاؤل لتحسن القطاع الخاص ولا سيما في السعودية، مع عودة أسعار النفط والغاز للارتفاع، فيما كانت توقعات وزارة المالية تشير إلى أن الاقتصاد السعودي سيشهد قفزة في معدلات النمو من 2.9 في المائة لعام 2021 إلى نحو 7.4 في المائة لعام 2022 وهي الأعلى منذ 11 عاما، وكذلك هي أعلى من توقعات صندوق النقد الدولي الذي أشار إلى نمو سيصل إلى 4.8 في المائة، كما كانت الكويت مرشحة لتحقيق ثاني أعلى نمو بعد السعودية عند 4.3 في المائة، ثم قطر 4 في المائة والبحرين 3.1 في المائة، وكذلك الإمارات عند معدل نمو 3 في المائة، في حين كانت توقعات صندوق النقد الدولي أقل حيال عمان بواقع 2.9 في المائة.
مع مرور الربع الأول من عام 2022، أعلن صندوق النقد الدولي الثلاثاء الماضي في تقريره رفعه توقعات نمو الاقتصاد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنسبة 0.6 في المائة لتصل إلى 5.8 في المائة عام 2022، وهذا تضمن تعديل توقعاته بشأن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في السعودية الذي سينمو بنسبة 7.6 في المائة عام 2022 وبنسبة 3.6 في المائة 2023، وهذا أعلى من توقعاته السابقة، التي لم تتجاوز 4.8 في المائة، بينما كانت التوقعات التي نشرتها وزارة المالية هي الأقرب للدقة، كما توقع الصندوق أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الكويت نموا بنسبة 8.2 في المائة في 2022، وبنسبة 4.2 في المائة في الإمارات، ونمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في قطر بنسبة 3.4 في المائة في العام الجاري، وبذلك تتقارب توقعات صندوق النقد الدولي مع التقديرات الصحيحة التي تعكس الجهد الكبير الذي تم بذله خلال الأعوام الماضية من أجل تطوير بنية الاقتصاد السعودي خصوصا لمواجهة صدمات السوق النفطية والاستفادة القصوى من تحسن الأسواق والأسعار، فقد تم تطوير الإيرادات غير النفطية مع الاهتمام بجانب كفاءة الإنفاق، ما عزز مرونة المالية العامة، وساعدها خصوصا على تجاوز آثار الأزمة الصحية بسرعة والعودة لمسارات النمو القوي.
ومعدلات النمو في اقتصادات دول الخليج المتوقعة خلال هذا العام تعد الأعلى منذ 2016 - 2017، ومن المرجح بلوغ الناتج المحلي لاقتصادات الخليج مجتمعة 1.5 تريليون دولار بنهاية العام، مقارنة بنحو 1.42 تريليون دولار في 2021، ورغم التفاوت الطبيعي من بلد لآخر، فإن عدة تقارير وتحليلات اقتصادية تشير إلى عدد من العناصر المجتمعة قد مكنت دول الخليج من تحقيق هذه المعدلات، أول هذه العوامل هو ارتفاع أسعار النفط والغاز، والعامل الثاني هو تحسن الإيرادات غير النفطية، ما عزز التدفقات المالية من خارج القطاع النفطي، العامل الثالث هو نجاح حملات التطعيم وتوزيع اللقاحات لمكافحة انتشار مرض كوفيد - 19، ومكافحة تحوراته، ما ساعد على زيادة أعداد المحصنين وتخفيف القيود المتعلقة بالجائحة وهذا بدوره دعم زيادة الاستهلاك على السلع والخدمات، وعودة السياح وحركة المسافرين، ما دعم نجاح الإمارات في تنظيم معرض إكسبو 2020، العامل الرابع في هذه المعادلة هو الجهود الكبيرة التي تم بذلها في التنسيق الواسع بين دول المنطقة من أجل تعديل وإصدار التشريعات المنظمة لجذب الاستثمارات الأجنبية وهو ما أسهم في تسجيل الاستثمار الأجنبي المباشر المتدفق إلى السعودية مستوى قياسيا خلال 2021، إذ بلغ 23 مليار دولار "86.25 مليار ريال" بارتفاع 326 في المائة، مقارنة بـ 2020 البالغ 5.4 مليار دولار "20.2 مليار ريال".
ورغم هذه الإنجازات الاقتصادية المهمة، فإن التحديات لم تزل قائمة بشأن اعتماد دول الخليج على النفط كمصدر رئيس لتحقيق التنمية، وما زالت دول الخليج بحاجة إلى الاستمرار في تحفيز وتشجيع التطوير الحقيقي للقطاع الخاص الخليجي، فالقطاع الخاص هو القاطرة الحقيقية في المستقبل، خاصة مع تداعيات الحرب في أوكرانيا، فالدول الصناعية الكبرى في أوروبا تحاول جهدها لتسريع الاعتماد على إنتاج الطاقة المتجددة، وهو ما يمثل تحديا كبيرا لدول المنطقة في المحافظة على مستويات النمو، خاصة أن توقعات صندوق النقد تشير إلى عودة النمو لمساره الطبيعي بعد أن تم امتصاص الطلب في الأسواق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي