شرايين الطاقة والمعادلة الصفرية
ينظر البعض إلى العلاقة بين شرايين الطاقة ومصادرها المختلفة بأنها علاقة تنافسية محضة، بل يرى بعض آخر أن هذا التنافس تحكمه المعادلة الصفرية التي تعني أن يكسب فيها أحد مصادر الطاقة كل شيء مقابل خسارة المصادر الأخرى كل شيء. في المقابل، هناك من يرى أن العلاقة بين مصادر الطاقة المختلفة، مثل الطاقة الأحفورية والمتجددة بأنواعها، والنووية وغيرها، هناك من يرى أن العلاقة بين هذه المصادر علاقة تكاملية بحتة، تهدف هذه التكاملية إلى ديمومة هذه المصادر، وذلك بتكثيف التعاون وتركيز الجهود على رفع كفاءة إنتاج واستهلاك جميع مصادر الطاقة دون استثناء.
الجدير بالذكر والتنويه أن هناك فئة تعيش بيننا على هذا الكوكب تنادي وتتصدر وسائل الإعلام بأنواعها المختلفة، وتعد التقارير حول قرب نهاية عصر النفط، وأن نجمه آفل لا محالة، وهناك فئة أخرى تشاطرهم الأماني تضع الوقود الأحفوري، وعلى رأسه النفط، في قفص الاتهام وأنه سبب جميع الكوارث الطبيعية والمناخية في العالم، وأن إحلال الطاقة المتجددة في أسرع وقت يعني خلاص العالم واستقرار مناخه.
هناك مبالغة كبيرة من بعض وسائل الإعلام حول قرب ساعة الاستغناء عن النفط وأفول نجمه لا محالة، وهي مبالغة - في رأيي - غير موضوعية ولا مهنية، والمتابع لهذه الحملات الإعلامية والتقارير من بعض بيوت الخبرة والمنظمات واللجان المختصة في هذا القطاع، يشعر بل يستنتج أنها صادرة من مطبخ إعلامي واحد لخدمة أجندات محددة.
تباينت الدراسات الاستشرافية حول مصادر الطاقة وحصتها العالمية على المديين القريب والمتوسط، منها المتفائلة والمتحفظة، ومنها الموضوعية المبنية على مدخلات دقيقة انعكست على مخرجاتها، وغير الموضوعية. تقرير "بريتيش بتروليوم" قبل جائحة كورونا يتوقع أن النفط سيبقى متربعا على عرش صدارة مصادر الطاقة العالمية عام 2040 بنسبة 27 في المائة، ويأتي بعده الغاز الطبيعي بنسبة 25 في المائة، بينما ستحتل الطاقة المتجددة المرتبة الثالثة كمصدر للطاقة عام 2040 بنسبة قد تصل إلى 23 في المائة، ومن ثم الفحم الطبيعي بما يقارب 20 في المائة، وأخيرا الطاقة النووية بنسبة 5 في المائة.
الأرقام تدل على أن النفط سيبقى المصدر الأول للطاقة في العالم، ويجب التذكير أنه ليس حكرا على توليد الطاقة فقط، فله استخدامات وتطبيقات كثيرة جدا لا يتسع المقال لذكرها. جل المواد المستخدمة في صناعة السيارات الكهربائية ومحطات تزويدها بالكهرباء، والخلايا الكهروضوئية المستخدمة في محطات الطاقة الشمسية، جل هذه المواد من مشتقات النفط الذي يتباشر البعض بانتهاء عصره.
الدراسات الاستشرافية في نهاية المطاف توقعات علمية قد يطرأ تغيير على مدخلاتها ما سيؤثر بطبيعة الحال في دقة مخرجاتها، لكن - في رأيي - سيكون مستبعدا أن يكون هناك تغير جذري في هذه المخرجات، حيث ينقلب ترتيب مصادر الطاقة على المديين المتوسط والبعيد رأسا على عقب، بأن تتربع الطاقة النووية على رأس القائمة، على سبيل المثال، المهم في ظل احتياج العالم المتزايد والمتسارع للطاقة، وفي ظل العقبات الفنية والطبيعية والسياسية والاقتصادية التي تواجه بعض مصادر الطاقة وسلامة إمداداتها، يجب التركيز على رفع كفاءة واستهلاك جميع مصادر الطاقة لا السعي إلى محاربة بعضها وتقنين بعض آخر منها.