ثقة المستهلك ومخاوف المستثمر

تعاني أكبر ثلاثة اقتصادات في المعسكر الغربي صعوبات اقتصادية واضحة، فالاقتصاد الأمريكي والبريطاني والألماني جميعها تعاني تقريبا العوامل ذاتها، ولكن على مستويات متفاوتة: ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة، مع ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء ومشكلات سلاسل التوريد التي زادت مع الحرب في أوكرانيا، هذا التفاوت في التعرض لهذه المشكلات قاد لتفاوت التأثير بين الشرائح الاقتصادية المتأثرة بشكل أساس، فقد أتت هذه العوامل مصحوبة بضعف آمال المنتجين في ألمانيا وتراجع ثقة المستهلكين في بريطانيا، وهلع المستثمرين في الولايات المتحدة. فعلى صعيد الاقتصاد الألماني، صدر تقرير البنك المركزي الألماني، متضمنا سيناريو ينخفض فيه الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في العام الحالي بنحو 2 في المائة، مقارنة بـ2021، وحدوث اختناقات في إمدادات الغاز سيكون من الصعب تعويضها على المدى القصير، وهذا سيتسبب في تفاقم معدلات التضخم لفترة طويلة بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، وبما يثقل الأعباء على الشركات والأسر، ولا سيما أن تداعيات الحرب غير واضحة وقد تتطور الأوضاع أكثر.
في السياق البريطاني أصدر المكتب الوطني للإحصاء ركودا في الناتج المحلي الإجمالي وبلغت نسبة النمو 0.1 في المائة فقط على أساس شهري، في وقت كانت التوقعات تشير إلى نمو 0.3 في المائة، بينما كان النمو الاقتصادي لكانون الثاني (يناير) عند نسبة 0.8 في المائة. ويفسر مكتب الإحصاء الوطني هذا التباطؤ بضعف النشاط الاقتصادي في قطاعات مثل الرعاية الصحية وعائدات السياحة التي تباطأت بسبب ضعف سلاسل التوريد وتواصل معدلات التضخم الارتفاع بوتيرة متسارعة قد تصل إلى 7.5 أو 8 في المائة، ويقدر بعض المحللين أن يتجاوز معدل التضخم 10 في المائة قبل نهاية العام الحالي، ما يزيد من ارتفاع تكلفة المعيشة وبالتالي هبوط الطلب الكلي، فيما تراجع معنويات المستهلكين البريطانيين إلى ثاني أدنى مستوى على الإطلاق منذ بدء تسجيل البيانات قبل 50 عاما، حيث انخفض إلى سالب 38 نقطة من سالب 31 نقطة في آذار (مارس)، مقتربا من أدنى مستوياته على الإطلاق الذي بلغه في تموز (يوليو) 2008 في خضم الأزمة المالية العالمية، وهو ما قاد تراجعا حادا في عزم المستهلكين على القيام بعمليات شراء كبيرة. في السياق الأمريكي، تعرض مؤشر "داو جونز" لأكبر هبوط يومي من حيث النسبة المئوية منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2020، وانخفض S&P 500 بنحو 2.8 في المائة، وتبعه مؤشر "ناسداك" بتراجع 2.5 في المائة، وهذا التشاؤم العام قد حذر منه صندوق النقد الدولي نهاية الأسبوع الماضي كنتيجة لأزمة تسارع معدلات التضخم لأعلى مستوياته في 40 عاما، وتشديد السياسة النقدية برفع الفائدة وإغلاق صنابير الشراء.
لا شك أن هناك تراجعا كبيرا في المعنويات من جانب المستهلكين والمنتجين والمستثمرين، ففي ألمانيا قلق واضح من جانب المنتجين والصناعيين بشأن ضعف الإمدادات والمواد الأولية وإمدادات الطاقة خاصة الغاز، وقد جاء هذا واضحا في تحذير نقابة العاملين في صناعة الأغذية والمطاعم في ألمانيا من أن أي عقوبات متعلقة بوقف توريدات الغاز من روسيا، ستعرض القطاع لخطر وجودي كبير، كما أن استمرار ارتفاع أسعار الطاقة سيوجه الدعم من القطاعات الصناعية للأسر، ما يثقل كاهل الصناعات في المستقبل الذي وصف بأنه غامض هناك، وفي بريطانيا التي اعتمدت لعقود على صناعة السياحة في دعم الاستهلاك المحلي تبدو الصورة غير مشجعة، والناس تفقد الثقة بعودة الأمور إلى ما قبل الأزمة الصحية، خاصة مع تصاعد الحرب وطول أمدها، وقال مدير استراتيجيات المستهلك في بريطانيا إن البريطانيين أصبحوا يفكرون مرتين قبل الإقدام على التسوق وعدم وجود آمال كبيرة لديهم في التعافي الاقتصادي تلوح في الأفق. وفي الولايات المتحدة تعكس الأسواق المالية تشاؤم المستثمرين من حدوث انفراج قريب لمشكلة التضخم، وأن الأمر قد يطول إلى المدى المتوسط ولهذا يحتاط الجميع بتعديل أسعار الأصول لتعكس حجم التدفقات المستقبلية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي