التقنيات المالية والتطورات المتسارعة

على الرغم من النمو الكبير الذي حدث ولا يزال في قطاع شركات التكنولوجيا المالية على المستوى العالمي، إلا أن تمويلاته تعرضت للتراجع في الربع الأول من العام الجاري، في الوقت الذي سجلت فيه الصفقات مستوى قياسيا عند 1399 صفقة بارتفاع بلغ 7 في المائة، وفق آخر الأرقام المعلنة.
واللافت أن هذا التراجع في التمويل هو الأعلى منذ عام 2018، لكن بشكل عام، تبقى شركات التكنولوجيا المالية ماضية في مسار نمو، ليس فقط في الدول المتقدمة، بل في الدول الناشئة، بما فيها تلك التي لم تستكمل إيصال شبكات الإنترنت إلى كامل أراضيها، فالخدمات التي تقدمها هذه الشركات، لا يمكن أن تتوافر إلا في ظل وجود هذه الشبكات، فضلا عن وجود التشريعات اللازمة لها من الجهات المختصة، بما في ذلك خدمة حسابات المصارف الإلكترونية.
وهذا القطاع يخضع للتطور المستمر لأن طبيعته تكمن أساسا في التكنولوجيا الجديدة والمتغيرة، بمعنى أنه يوفر خدماته، ويطور في الوقت نفسه أدواته، وهذا أمر طبيعي في مجال لا يتوقف عن التحولات التقنية والابتكارات.
ومن الواضح أن التراجع الأخير للتمويلات، رافقه ارتفاع في حجم الصفقات، أي أن الصفقات التي تمت كانت أقل من حيث قيمتها مما كانت عليه في الربع الأخير من العام الماضي، ما يؤكد أن زخم التدفق المالي تراجع في الأشهر الثلاثة الماضية، لأسباب يعتقد الخبراء أنها تعود إلى نقص السيولة.
لكن المؤشرات كلها تدل على أن هذا القطاع سيواصل النمو ويحقق قفزات قوية في المديين المتوسط، والبعيد، خصوصا مع انتشاره في مناطق جديدة، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط، التي شهدت توسعا لافتا لهذا النوع من الخدمات المالية في الأعوام القليلة الماضية.
وصول تمويلات الربع الأول من هذا العام إلى 28.8 مليار دولار متراجعة 18 في المائة، تعده بعض الجهات المعنية مرحليا، والتمويلات المالية شهدت في الواقع تراجعا واضحا حتى في قطاع الشركات المالية التقليدية.
وبصرف النظر عن أي اعتبارات آنية، فقد شهد ميدان شركات التكنولوجيا المالية قفزات نوعية في الأعوام الماضية، وبحسب صندوق النقد الدولي، فقد ارتفعت الاستثمارات في هذه التكنولوجيا بما يزيد على عشرة أضعاف في الفترة بين 2012 و2015، وحدث بعض التراجع في 2016، نتيجة دمج المؤسسات العاملة في هذا الميدان في الولايات المتحدة، لكن سرعان ما عاد زخم التمويلات إلى الساحة في 2017.
في الأعوام الأخيرة من العقد الماضي استمر النمو الملحوظ في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ما أضاف دعما آخر جديدا لهذه القطاع المتنامي.
ولأن هذا القطاع سيشهد مزيدا من النمو في المرحلة المقبلة، فقد توسعت خدماته من حيث تنوعها، سواء من خلال الاستثمارات عبر الهاتف المحمول، أو الخدمات المصرفية العادية، مع الإشارة إلى أن مؤسسات مالية تقليدية دخلت هذه الساحة منذ البداية لتواكب تطورها، والأهم للحصول على حصص فيها.
الواضح تماما، أن أي تراجع في تمويلات شركات التكنولوجيا المالية، سيبقى مرتبطا بتطورات عابرة تفرضها بعض الأحداث الاقتصادية العالمية التي تعد عابرة أيضا، والذي حدث في الربع الأول من العام الجاري، هو انخفاض التمويلات التي تزيد على 100 مليون دولار، أكثر من غيرها من التمويلات ذات المستويات الأقل.
وتكفي الإشارة هنا، إلى ظهور 30 شركة في هذا المجال يتخطى رأسمالها مليار دولار خلال عام تقريبا، ما يعزز الاعتقاد بأن شركات التكنولوجيا المالية ماضية في التوسع والنمو في الفترة المقبلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي