الحكومات تجاهد لتعزيز معدلات الخصوبة المتضائلة

الحكومات تجاهد لتعزيز معدلات الخصوبة المتضائلة
مصير الدول بلا أطفال أن تتقدم بالعمر وتختفي ببطء. (جيتي)

عندما حملت تشوي يون سيو في 2020، دفعت لها كوريا الجنوبية 500 دولار - كمكافأة لمساعدة الدولة على معالجة أزمتها الديموغرافية الشديدة.
في ذلك العام وصلت الدولة إلى أدنى معدل خصوبة على الإطلاق عند 0.84 طفل لكل امرأة - وهو أدنى معدل في العالم.
منذ ذلك الحين زادت الحكومة في سيئول مبلغ إعانة الحمل لمرة واحدة إلى نحو 1،700 دولار. لكن تشوي قالت إن فكرة أن المدفوعات ستشجعها على إنجاب طفل آخر كانت فكرة مضحكة. قالت، "لقد استهلكت المبلغ بالكامل على اختبارات ما قبل الولادة قبل وصول فترة حملي إلى المنتصف".
منذ أنجبت طفلها في كانون الثاني (يناير) 2021، عانت الأم التي تبلغ من العمر 40 عاما ضغوطا عائلية واجتماعية واقتصادية. كما كان عليها التخلي عن وظيفتها كعاملة اجتماعية وأصبحت مثقلة "بكثير من الذنب الناجم عن عدم قدرتها أن تكون أما جيدة".
قالت إن إعانات رعاية الأطفال التي تقدمها الدولة "غير واقعية" بالنظر إلى تكلفة المعيشة والتعليم في العاصمة الكورية.
لا تعد جهود سيئول غير عادية. حيث تقدم الاقتصادات المتقدمة مبالغ متزايدة من الإعانات لتشجيع المواطنين على إنجاب مزيد من الأطفال. لكن هناك أدلة قليلة على أن لها تأثيرا، حيث إن معدلات الخصوبة تنخفض سريعا في جميع أنحاء دول العالم الغنية.
قال بيرنيس كوانج، عالم الديموغرافيا في جامعة ساوثامبتون في المملكة المتحدة، "لم تثبت سياسات تشجيع قيام أسر كبيرة أنها قادرة على تغيير مستويات الخصوبة باستمرار".
كانت فرنسا من أوائل الدول الرائدة في مثل هذه السياسات. إذ قدمت لأول مرة دعما ماليا للأسر التي لديها ثلاثة أطفال أو أكثر في الثمانينيات ثم رفعتها لتشمل أولئك الذين لديهم طفلان أو أكثر اعتبارا من 1994. كما تم منح بدلات للآباء الذين يختارون التوقف عن العمل من أجل تربية الأطفال وحوافز ضريبية مقدمة لرعاية الأطفال.
في الآونة الأخيرة، حذت الدول الأوروبية الأخرى حذو فرنسا. في 2020، حددت هنغاريا عيادات الخصوبة كقطاع "استراتيجي" وجعلت علاج أطفال الأنابيب متاحا لجميع النساء.
العام الماضي، قدمت الحكومة الإيطالية حوافز تهدف إلى عكس اتجاه التدهور الديموغرافي التي تضمن إجازة أبوية أطول للآباء. حذر رئيس الوزراء ماريو دراجي، "إيطاليا بلا أطفال (...) مصيرها أن تتقدم بالعمر وتختفي ببطء".
وعلى الرغم من هذا كله، لا تزال معدلات الخصوبة الأوروبية آخذة بالانخفاض.
ففي فرنسا، انخفض المعدل من أكثر من طفلين لكل امرأة في 2010 إلى 1.83 في 2021، وفقا لبيانات " إنسي" مكتب الإحصاء في الدولة. ألقى مشروع قانون قدمه سياسيون من الحزب الجمهوري أخيرا باللوم على تخفيضات دعم الأسرة من قبل الرئيسين المتعاقبين فرانسوا هولاند وإيمانويل ماكرون.
كدليل لمصلحة الإعانات، يستشهد علماء الديموغرافيا بالدراسات الاستقصائية التي تشير إلى أن الأزواج في بعض الدول لا ينجبون العدد الذي يرغبون فيه من الأطفال، بشكل عام ترغب النساء في إنجاب نحو طفلين، أي أعلى من معدل المواليد الفعلي في كثير من الدول.
قال ليمان ستون، مستشار في شركة ديموغرافيك إنتلجينس الاستشارية، "لا تعود معدلات الخصوبة المنخفضة إلى عدم رغبة النساء في الأطفال، لكن لأن إنجاب الأطفال أصبح صعبا أو مكلفا للغاية".
قال كوانغ إن الأزواج ذوي الدخل المنخفض يحتاجون إلى "دعم مالي ورعاية أطفال ميسورة التكلفة" في حين أن الأزواج ذوي الدخل المرتفع "يحتاجون إلى سياسات تسهل على الأشخاص العاملين الموازنة بين رعاية الأطفال، واصطحابهم بعد المدرسة مثلا، وبين وظائفهم".
لكن كوانغ استشهد بوضع كوريا الجنوبية كدليل على أن هناك عوامل أخرى تلعب دورا أيضا. "مثل الأعراف الجندرية الصارمة والتقسيم غير المتكافئ للعمل داخل الأسرة".
قال كوانغ، "تريد الحكومات أن تعتني النساء بالأطفال وأن يعملن في الوقت نفسه، لكن بعض النساء لا يرغبن في العمل بهذه الصعوبة وبعض العائلات لا ترغب في العمل بهذه الطريقة. هل من الممكن إيجاد إطار حيث يمكن للرجال فعل المزيد؟ مثل إيجاد طريقة لجعلهم يعملون طوال النهار ويعتنون بأطفالهم".
قال توماس سوبوتكا، الذي يقود مجموعة بحثية في الديموغرافيا الأوروبية المقارنة في معهد فيينا للديموغرافيا، إن هناك بعض الأدلة على أن زيادة المساواة بين الجنسين قد تساعد. إذ حققت الدول ذات الدخل المرتفع بمعدلات خصوبة مرتفعة - مثل النرويج والسويد وآيسلندا وفرنسا وبلجيكا - مستويات عالية في النواحي المختلفة للمساواة بين الجنسين.
قال سوبوتكا، " المساواة الأعلى تسمح بشكل خاص للنساء المتعلمات بمزيج أسهل بين الحياة المهنية والأسرية. لماذا لا نسمح لبعض الرجال بالتوقف عن العمل لمدة عامين أو ثلاثة أعوام لأخذ إجازة أبوية ثم العودة إلى العمل؟".
لكن على الرغم من هذا، فقد تساءل عما إذا كان ينبغي للحكومات أن تحاول التدخل في خيارات شخصية مثل هذه.
قال، "ينبغي ألا تقدم الحكومات حوافز صريحة لجعل النساء ينجبن من الأطفال أكثر مما يرغبن لغرض تحقيق بعض النسب الوطنية أو حاجتها إلى صنع طفرة مواليد صغيرة".

الأكثر قراءة