أضرار جانبية

يستخدم المصطلح أضرار جانبية أو Collateral Damage بشكل موسع خارج إطار الحروب، في الحرب يقصد به الضحايا الذين يسقطون والخسائر الجانبية التي تحدث نتيجة للأفعال والأنشطة والنزاعات أثناء جولات الحرب ودوائرها. وقد تم اتهام المصطلح بأنه يضيع كثيرا من الحقائق ويخفف أثرها، إذ يستخدم لإعادة عنونة أفعال قاسية وظالمة وخسائر إنسانية لا تعوض "مثل القتلى المدنيين" بمجرد مصطلح يسمح بتمرير الحقيقة ويساعد على تقبلها أثناء الحرب. ويتقاطع هذا المصطلح مع مصطلح النيران الصديقة الذي يستخدمه بعض الدول للغرض ذاته، وتشرعه وتقبل به وربما تضع له قواعد لاستخدامه وتقبل مخاطره أثناء الحرب، ويقصد بمصطلح أضرار جانبية خارج إطار الحروب أي أثر سلبي يحدث كنتيجة غير مباشرة لفعل ما.
من أمثلة الأضرار الجانبية التي تحدث خارج سياق الحرب ما حدث في فترة الحظر الخاصة بالجائحة الأخيرة، إذ حدث بعض الوفيات لأسباب متأثرة بإجراءات الحظر لكنها لم تكن نتيجة مباشرة لهجمات الفيروس، مثل من تفاقمت حالته نظرا لغياب العلاج والاهتمام المناسب، خصوصا في المراحل الأولية للتعامل مع الجائحة. من الملاحظ أن الأضرار الجانبية تتعاظم عند التعامل مع أمر معقد، أو متعدد المدخلات والمخرجات، الاقتصاد على سبيل المثال من أكثر السياقات التي تتشبع بالأضرار الجانبية. أي منظم أو مدير للاقتصاد يحاول أن يحقق مستهدفاته مع تقليل الضرر على جميع الأطراف، وهذه اللغة "تقليل الضرر" هي ما يستخدم دائما لأن منع الضرر مستحيل، خصوصا أن الاقتصاد كأمر واسع ومعقد يتعامل مع أكثر من فئة من الناس، وأكثر من قطاع في السوق، وأكثر مدى للأثر - قصير، متوسط، طويل - لذا من المستحيل أن تستفيد من ضريبة جديدة لتحفيز فئة من المستفيدين إلا وهي تشكل عبئا على أخرى، ومن الأرجح أن أي تنظيم تحسيني جديد سيحمل المستفيدين منه مزيدا من الإجراءات والأعمال الإضافية، التي قد تشكل في بداية الأمر تكاليف وخسائر جوهرية تؤثر فيهم وقد تخرج بعضهم من السوق.
ومن الأماكن الأخرى التي تكثر فيها الأضرار الجانبية: أماكن العمل، كأماكن حسية وأيضا كمنظمات تتمازج فيها الأنظمة والإجراءات والقوى والموارد المختلفة، مهارية وثقافية وتقنية وتنظيمية. قد تكون أماكن العمل من أفضل ما يمكن به تمثيل مفهوم الأضرار الجانبية. وسأبدأ بمثال الإدارة العليا الجديدة التي تستلم الشركة وتبدأ في عملية فلترة الشركة بحثا عن أفضل الموظفين واستبعادا لأضعفهم، ورغم أن أغلب الضحايا هنا يكونون من فئة قليل المهارات، عنيد صعب المراس، إلا أن جزءا منهم قد يشمل المظلومين الذي لم يدربهم أو يوجههم أحد مسبقا، ولم يحظوا بأي اهتمام كاف يجعلهم يستوعبون ما حل بالشركة وكيفية التعامل مع ما يحدث الآن.
من الأمثلة الأخرى المهمة التي تحدث في أماكن العمل، الموظف الذي ينال التصفيق ويكافأ بالترقيات ويعبر المراحل الواحدة تلو الأخرى، وما يحدث ومن حيث لا يشعر يفقد بناء لياقته بالشكل المطلوب خلال عملية النمو المسرع هذه. إذا إن التقدم السريع يجعله يحدث بعض الضرر بمكوناته الأخرى، مثل من ترتفع مهاراته القيادية على حساب الفنية. من الأضرار الجانبية الأخرى ما يحدث للمنظمات التي تتحرك بسرعة تحقيقا لمستهدفاتها القاسية دون أن تهتم بعملية البناء المؤسسي، فتجدها حققت المستهدفات المالية والتشغيلية، لكن العلاقة مع العملاء هشة، أو توثيق الإجراءات ضعيف، أو بناء الأنظمة المؤسسة غير مستدام، فتجد البناء عرضة للسقوط مع أضعف ريح.
هناك من يحبذ النماذج الإدارية والقيادية التي تقبل وتوسع دائرة الأضرار الجانبية، وقد يسمي الأمور بغير اسمها فيقول: "أنا أركز على المهم والباقي نعالجه لاحقا"، أو "أنا Goal-Oriented متوجه نحو الهدف، وكل ما عدا ذلك ضجيج وتشويش". وهذا الأسلوب قد يكون ناجحا أو ينقل العمل من وضع لآخر لكنه مليء بالمخاطرات التي قل من يحسبها. وكما أشرت سابقا، "حسن النية لا يحمي المغفلين". لذلك حتى إن تشعبت تفاصيل العمل المؤسسي، إلا أن فصل موظف واحد، أو غش موظف بترقيته قبل وقته، أو إنهاء مشروع وتدشينه وهو يؤثر سلبا في جانب آخر في الشركة، مسؤولية متخذ القرار، حتى لو أنه لم يعلم بالضرر الجانبي، حتى لو أنه لم يتوقع حدوث أضرار جانبية. يعد المسؤول هنا هو مدير الحدث ومصممه، وفي كل سياق، يتحمل مصمم الحدث نتائجه، سواء كان حربا أو سلما، سواء كان على المستوى الشخصي أو المؤسسي أو أكبر من ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي