حين يلتهم جسدك بعضه
من معجزات بدنك التي وضعها الله فيه ولم تكتشف علميا إلا أخيرا "عملية الالتهام الذاتي" التي بسببها نال العالم الياباني يوشينوري أوسومي جائزة نوبل 2016، وكشفت فيها عن أسرار أكثر العمليات الحيوية تعقيدا التي تحدث بانتظام داخل خلايا أجسامنا، فتمنحنا الصحة والطاقة.
هذه العملية تعمل على إصلاح الأضرار التي تلحق بالجزيئات البيولوجية التي تشكل هويتنا الوراثية، مثل: "دي إن أي" و"آر إن أي" والبروتينات، ما يساعد أجسادنا على مكافحة العدوى، وحمايتنا من الأمراض الخطيرة، مثل السرطان، والأمراض العصبية مثل داء هنتنجتون والشلل الرعاش.
والأجمل أنها تقوم بتخليص أجسامنا من المخلفات، فتبتلع بقايا البروتينات وأجزاء الخلايا التالفة، ثم تقوم بتدويرها وإعادة استخدامها في إنتاج الطاقة التي يحتاج إليها الجسم أثناء نقص الأكسجين أو بعض المواد الغذائية فتوفر العناصر الأساسية "الأحماض الأمينية" لبناء خلايا جديدة أو ترميم الخلايا المريضة لتستمر الحياة داخلها. إنه إعجاز منقطع النظير، لكن العلم لا يقف عند هذا الحد، وفي كل مرة يكتشف مزيدا ويخبرنا أنه كما يخون البشر أصدقاءهم ويغدرون بهم في لحظة، كذلك قد تتحول عملية الالتهام الذاتي الصديقة للجسم إلى عدو حقيقي له، هذا ما توصل إليه العالم المصري شريف الخميسي وفريقه البحثي، حيث اكتشفوا الدور الخطير الذي تلعبه هذه العملية حين تتحول إلى عدو فتقوم بالتهام بروتينات مهمة لها دور بارز في الحفاظ على صلاحية المادة الوراثية، وبالتالي تقود إلى خلل في الخلايا يؤدي إلى الإصابة بالسرطان - لا سمح الله - أو يدمر الخلايا العصبية، فيؤدي إلى أمراض عصبية مثل داء هنتنجتون، وهو مرض وراثي نادر يتسبب في الانهيار التدريجي أو تنكس الخلايا العصبية في الدماغ، فيؤثر في قدرات الشخص الوظيفية والعقلية ويسبب له اضطرابات في الحركة والتفكير فضلا عن الأثر النفسي!
ومع الأسف ينتشر بشكل كبير في مصر، حيث يبلغ معدل الإصابة به هناك 21 من كل 100 ألف مصري وهو ضعف معدل المرض في أوروبا وعشر أضعاف النسبة العالمية للمرض. وفيه تنشط آلية الالتهام الذاتي لإنقاذ الخلايا العصبية وابتلاع البروتينات السامة التي تنتج عن الطفرة الجينية المسببة للمرض ومع زيادة نشاطها تقوم بابتلاع والتخلص من البروتينات المفيدة فتضمر الخلايا العصبية وتموت.
ومع فهم الآلية التي يحدث بها المرض يعمل الفريق العلمي على إنتاج دواء جيني يعالج المرض بدل الأدوية التي تجعل المريض يتعايش معه دون أن يشفى منه.