المملكة المتحدة تسعى لتكون مضيافة للعملات المشفرة
الخروج من حكم الأقلية. الدخول في حكم العملات المشفرة. هذا بالتأكيد ما تبدو الأمور عليه حاليا. خلال لحظة كانت حكومة المملكة المتحدة، تماشيا مع السياسة الغربية تجاه رجال الأعمال المرتبطين بالكرملين، تفرض عقوبات صارمة على أمثال رومان أبراموفيتش وميخائيل فريدمان، ما أدى إلى الإنهاء الفعلي لحقبة التملق لمثل هؤلاء المليارديرات. في اللحظة التالية، كانت تلقي بثقلها خلف "العملات المشفرة في المملكة المتحدة"، وهي محاولة "للاستيلاء على الطاقة الرأسمالية" للحي المالي في لندن وجعل المملكة المتحدة "مكانا مضيافا للعملات المشفرة".
منذ أن اتخذت السلفادور القرار المثير للجدل وغير المسبوق باعتماد عملة بيتكوين عملة قانونية العام الماضي، قامت الحكومة بطرح السجادة الحمراء للعملات المشفرة بكل يسر.
هذا الوصف، بالطبع، غير عادل بعض الشيء. كشفت الخزانة الأسبوع الماضي عن خططها لاحتضان نظام تشفير بيئي حذر، بمجرد قراءة النص المكتوب بالخط الصغير. هناك كثير من الحديث عن التنظيم الفعال. هناك تركيز على العملات المستقرة - تلك التي يفترض أنها مرتبطة بعملات العالم القديم مثل الدولار - بدلا من عملة بيتكوين أو إيثريوم من الغرب المتوحش. يبدو أن الحماس الأكبر موجه نحو البنية التي تدعم التشفير، ما يسمى تكنولوجيا "دفتر الحسابات الموزع" مثل "بلوكتشين"، التي تحظى بدعم واسع النطاق.
إن الحكومة محقة في التعبير عن دعمها للابتكار والتكنولوجيا المتطورة. طالما تم التفكير في أطر العمل، فإن جعل المملكة المتحدة نقطة جذب للاستثمار الرقمي هو سياسة جديرة بالثناء - وحاسمة إذا كان الحي المالي في لندن يريد الاحتفاظ ببراعته في التمويل الدولي.
قد تحقق بعض جوانب مشهد التشفير بعض الفوائد المذكورة، مثل زيادة الكفاءة، على الرغم من استمرار مشكلات توسيع نطاق بلوكتشين، ولا يزال النقد طويل الأمد قائما: هذه تكنولوجيا تبحث عن مشكلة، بدلا من الحل الذي تمس الحاجة إليه.
لكن بغض النظر عن المزايا، لم يبدو المنظر جيدا الأسبوع الماضي. احتضان المستشار ريشي سوناك الحماسي لما يسمى الرموز غير القابلة للاستبدال، حيث حث دار سك العملة الملكية على تطوير الرموز غير القابلة للاستبدال لتكون إلى جانب مجموعتها من العملات التذكارية القابلة للتحصيل، يعد غير حكيم بشكل خاص.
الرغبة في الحصول على صورة متطورة أمر جيد للغاية. لكن الرموز غير القابلة للاستبدال - تجسيد عالم الفن للعملات المشفرة - هوس واه مثل أي هوس منذ "هوس التوليب" في هولندا في القرن الـ17. من خلال ربط نفسه شخصيا بالمفهوم، فإن المستشار يأخذ رهانا كبيرا مثل أي مستثمر في الرموز غير القابلة للاستبدال (حتى لو تم التغلب على مخاطر هذا الارتباط في الأيام الأخيرة بسبب الخلاف المتزايد حول الوضع الضريبي لزوجته).
تقول الحكومة إنها تريد "الدخول في هذه السوق الناشئة من البداية" حتى تتمكن من "قيادة الطريق". مع ذلك، فإن كثيرا من الدول الأخرى، بداية من سنغافورة إلى إسبانيا، كانت من أوائل الدول التي تبنت سياسات التشفير. حتى الآن، كانت المملكة المتحدة بطيئة بشكل صادم في كبح الممارسات المشبوهة. التغييرات القانونية الموعودة لمنح سلطة السلوك المالي صلاحيات على إعلانات التشفير المضللة لم تتحقق بعد. لم يتم عمل أي شيء ملحوظ لمعالجة التضليل على وسائل التواصل الاجتماعي.
خلال زياراتي المتعددة للمدارس الثانوية البريطانية في الأشهر الأخيرة، كجزء من حملة محو الأمية المالية والشمول التي تنظمها "فاينانشيال تايمز"، طرح الطلاب أسئلة متكررة حول الاستثمار في العملات المشفرة. شعر كثيرون بالتشجيع على شراء العملات المشفرة من قبل المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي. خسر كثير منهم مبالغ كبيرة. قلة هم الذين أدركوا حقا ما كانوا يفعلون، أو المخاطر التي تنطوي عليه. اتخاذ إجراءات صارمة ضد انتهاكات "الضخ والتفريغ" على وسائل التواصل الاجتماعي، وإجبار مشغلي العملات المشفرة على شرح المخاطر بوضوح، سيكون مبادرة حكومية رائعة - لكن إطلاق حملة لطيفة للصناعة، وتأييدها باستخدام الرموز غير القابلة للاستبدال الخاصة بها ليس رائعا.
في الوقت نفسه، يتضح هوس العملات المشفرة بغطرسة شبيهة بغرور حكم الأقلية. إنه إهدار مدمر للطاقة، ويصطدم وجها لوجه مع أوراق الاعتماد الخضراء المفترضة للحكومة. لديها موقف غير رسمي تجاه الالتزامات الضريبية، إلى حد كبير دون منازع من قبل هيئة الإيرادات والجمارك التابعة لحكومة صاحبة الجلالة. (قدرت هيئة السلوك المالي أن هناك 2.3 مليون مستثمر تشفير في المملكة المتحدة، لكن هيئة الإيرادات والجمارك التابعة لصاحبة الجلالة أرسلت "رسائل تنبيه" توضح أن ضريبة أرباح رأس المال تصل إلى ثمانية آلاف).
بالطبع، قد يجادل هواة بيتكوين أن هذا هو جوهر سبب وجود العملة المشفرة: لقد تم تصورها على أنها ثورة فوضوية ضد سيطرة الدولة على النظام النقدي. في مؤتمر في ميامي في بداية نيسان (أبريل)، من المؤكد أن بيتر ثيل، رجل الأعمال التكنولوجي، أشاد بالعملات المشفرة باعتبارها "حركة شبابية ثورية" ضد "حكومة الشيخوخة المالية". لذا فإن استخدامه - باعتباره مقامرة مضاربة إلى حد كبير ووسيلة مجهولة المصدر لدفع ثمن المخدرات غير المشروعة أو غسل الأموال أو التهرب من العقوبات - ربما يكون طبيعيا بدرجة كافية.
قد تعتقد أن مثل هذا الحديث يجعل وزارة الخزانة حذرة. بل يبدو أنه عمي جراء بريقها. في أعقاب الأزمة المالية في 2008، انتقد أدير تيرنر، الذي كان آنذاك رئيس هيئة الرقابة على هيئة الخدمات المالية البائدة، جزءا كبيرا من صناعة التمويل ووصفها بأنها "غير مجدية اجتماعيا". ما مدى ملاءمة هذا الوصف لجنون التشفير اليوم؟