المتسولون الجدد

قبل فترة، كنت أتجول مع ابنتي في إحدى الأسواق الكبيرة حين اقتربت منا امرأة تتسول، وكانت بالكاد تمشي وهي تتوكأ على عكازها، وفهمت منها أنها تعاني شللا في رجلها اليمنى وتعول سبعة أيتام. تعاطفت معها ابنتي وهمت بتقديم مبلغ مادي لها، لكني استوقفتها، وقلت للمرأة: إننا سنساعدها بملابس لأطفالها وطعام، أما المال فلا نستطيع، لأن ذلك مخالف لأنظمة الدولة، فرفضت العرض بشدة وأصرت أن نساعدها ماديا، ولأنها رأت تعاطف ابنتي معها، فقد بدأت سرد حكايات مؤلمة عن وضعها المأساوي وصعوبة لقمة العيش في ظل معاناتها مع الشلل، وظلت تلاحقنا من مكان إلى آخر، وحين ضقت بها ذرعا أخرجت هاتفي وحذرتها بأني سأتصل بمكافحة التسول وفي لحظة خاطفة ركضت مسرعة كغزال شارد لا تستطيع العين ملاحقته، وهي من كانت قبل قليل تستخدم عكازا تتوكأ عليه. الاستغلال البشع لعواطف الآخرين والعزف على أوتار إنسانيتهم، هو السلاح الذي يستخدمه المتسولون القدامى قبل ظهور نظام مكافحة التسول الجديد، الذي يعاقب كل من امتهن التسول أو حرض غيره أو اتفق معه أو ساعده على امتهان التسول، بالسجن مدة لا تزيد على ستة أشهر، أو بغرامة لا تزيد على 50 ألف ريال.
ما يعني أن أي شخص يساعد ماليا هؤلاء المتسولين الذين يعمل معظمهم ضمن جماعات منظمة، فإنه شريك لهم في مخالفة النظام وعدم التقيد به. أتذكر إحدى المتسولات في سوق شهيرة في الرياض ظلت أربعة أعوام تتسول في المكان نفسه، وهي تحمل طفلها الرضيع النائم، وكان الناس يتعاطفون معها بشكل متواصل، المثير للسخرية أنه طوال هذه الأعوام ظل الطفل رضيعا ونائما، اليوم المتسولون الجدد أصبحوا يستخدمون حيلة جديدة خصوصا في هذا الشهر الفضيل، وهي محاولة إيهام الناس أنهم "يترزقون الله" من خلال بيع الشاي والقهوة على نواصي الشوارع الفرعية والعامة وقرب المساجد والأسواق، أو من خلال ملاحقة الناس ببيع الجوارب وإحراجهم بالإلحاح عليهم بالشراء، أو من خلال بيع قوارير المياه وألعاب الأطفال عند الإشارات. انتشارهم بهذا الشكل مثير للدهشة والريبة معا، أنا هنا لا أتحدث عن تلك الأسر المنتجة التي تستحق الاحترام والدعم والمساندة، بل أتحدث عن متسولين يعرضون بضاعتهم بشكل مخالف للذوق العام وأيضا مخالف وخطير على الصحة العامة. هذه الأساليب الجديدة يجب ألا تخدعنا خصوصا هؤلاء الذين يجلبون معهم أطفالهم الصغار والرضع لابتزاز عواطف الناس.
وخزة:
منصة "إحسان" والمنصات النظامية المعتمدة والجمعيات الخيرية هي الطرق الآمنة للصدقات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي