رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الرقائق .. محرك للنمو الصناعي

في عام 1971 أطلقت شركة إنتل أول معالج دقيق في العالم، اعتمد على أول شريحة لأشباه الموصلات لتنطلق بذلك ثورة في صناعة الكمبيوتر تطلق نموا هائلا لهذه الشركة وتجعلها واحدة من أكثر الشركات ربحية في العالم، ففي عام 1995 بلغت قيمة الإنتاج العالمي لأجهزة الكمبيوتر 237 مليار دولار، بزيادة 13.5 في المائة عن إجمالي 1994، بلغت قيمة مبيعات أشباه الموصلات وحدها 123 مليار دولار، ولأن هذه الرقائق الإلكترونية تتطلب استثمارات كبيرة لتصنيعها من مادة السيليكون في غرف نظيفة حيث لا تتسرب أي بقعة من الغبار على الرقاقات، فقد انطلقت شركات وادي السيليكون للتعبير عن هذه الثورة الصناعية الحديثة وينطلق من ذلك الحين سباق عالمي لوضع خطط للاستثمار في الرقائق أشباه الموصلات، ذلك أن هذه المعالجات الصغيرة هي العقل الذي يعمل من خلاله الحاسب الآلي وكل الأجهزة التي انتشرت اليوم سواء في الاتصالات أو الأجهزة المنزلية التي اقتحمت عالم السيارات ووسائل النقل الحديثة، فنظرا لصغر حجمها، فإن قابليتها للتطبيق أصبحت هي المحرك الرئيس للنمو الصناعي بل رمزا للبراعة الاقتصادية والصناعية كما تصفها دراسة مختصة نشرها البنك الدولي في هذا الخصوص، ولأن الشرارة الأولى لهذه المعالجات الصغيرة قد بدأت في الولايات المتحدة ثم تبعتها اليابان في وقت الذروة الصناعية هناك، فقد استمرت هيمنة الشركات من هاتين الدولتين مسيطرة على هذه التقنية المتقدمة حتى دخلت دول عديدة للسباق مع انتشار صناعة الهواتف المحمولة، فقررت كوريا الجنوبية وتايوان وبكين وسنغافورة الدخول بقوة في هذا المجال بإنشاء شركاتها المختصة في أشباه الموصلات المحلية نظرا لما حملته صناعة أشباه الموصلات من دعم للنمو الاقتصادي والوظائف والابتكار التكنولوجي. ومع التقدم المذهل اليوم في شتى الصناعات الحديثة، فإن رقائق أشباه الموصلات هي التي مكنت من ظهور الهواتف المحمولة بتقنياتها المتنامية والمركبات ذاتية القيادة، وأجهزة تحليلات البيانات الضخمة، والواقع الافتراضي، وإنترنت الأشياء، والروبوتات فنمو هذه الصناعات مرتبط تماما بمدى توافر الرقائق واستمرار تقدم صناعتها، ولقد تبين من خلال الأزمة الصحية وتعطل المصانع في عدد من الدول تراكم الطلبات على إنتاج هذه الرقائق الإلكترونية بما شكل أزمة إمداد عالمية لم يشهدها التاريخ الصناعي من قبل، وأصبح الجميع يتحدث اليوم عن الأمن الصناعي من هذه الرقائق وضرورة تقليل الاعتماد على التكنولوجيا المستوردة فيها.
اليوم تقدر مبيعات أشباه الموصلات بأكثر من 595 مليار دولار، وحسب القاعدة أنه كلما زاد الطلب على البيانات وتزايد حجم هذه البيانات زاد الطلب على أشباه الموصلات وزادت عمليات تطويرها، والمعنى أنه كلما زادت تقنيات الذكاء الاصطناعي زاد نمو صناعة أشباه الموصلات، ونمت معها التجهيزات الرأسمالية اللازمة لصناعتها، فكما أشرنا أعلاه فإن صناعة هذه الرقائق تتطلب اشتراطات كبيرة جدا، فلا يمكن إنتاجها إلا في غرفة شديدة النظافة يصعب تحقيقها في الوضع الطبيعي، والتكلفة الاستثمارية والوقت المتاح للإنشاء هما أهم التحديات التي تواجه تطوير صناعة الرقائق، إذ إن القيمة الاستثمارية المطلوبة لتصنيع معمل أشباه موصلات تقارب 15 إلى 20 مليار دولار في زمن يبلغ خمسة أعوام.
لذلك أصبحت صناعة هذه الرقائق وتجهيزاتها من أولى السلع التي تستهدفها الدول الكبرى، حيث قدر ما تم إنفاقه في الولايات المتحدة على تطوير الرقائق بأكثر من 44 مليار دولار في عام 2020، فأمريكا تحفز صناعة أشباه الموصلات الأمريكية لأنها لبنات البناء الأساسية للاقتصاد الحديث، وفي الوقت نفسه يهدف الاتحاد الأوروبي إلى أن يصبح مصنعا رئيسا لأشباه الموصلات وتحقيق نسبة 20 في المائة من إمدادات الرقائق في العالم بحلول 2030، بينما أنفقت الصين ما يصل إلى 150 مليار دولار وتخطط لإنفاق 200 مليار دولار لدعم شركات أشباه الموصلات حتى عام 2025، وتعهد صانعو الرقائق في كوريا الجنوبية بتوسيع استثماراتهم المحلية إلى أكثر من 56.7 تريليون وون (47.36 مليار دولار). بينما ما زالت تايوان تتصدر سوق الرقائق الإلكترونية بـ63 في المائة، وتتطلع إلى زيادة هذه النسبة لتصبح 65 في المائة، وتأتي كوريا الجنوبية في المركز الثاني بـ18 في المائة، ثم الصين بـ5 في المائة، وباقي دول العالم بـ12 في المائة. هذا الوضع يشعر عديدا من دول العالم، على رأسها واشنطن بقلق متزايد نظرا لأن سلسلة التوريد لهذه الصناعة المتقدمة والضرورية تقع خارج سيطرتهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي