الخيوط الفريدة

خيوط فريدة تنتجها حشرة سيئة السمعة، مفترسة وآكلة للحوم. "العنكبوت" من أكثر المواد الطبيعية إثارة للدهشة، لامتلاكها خصائص مميزة. ملمسها ناعم تهزها أقل نسمة هواء ومع ذلك فمتانة خيوط العنكبوت الميكانيكية، وطواعيتها مع الحرارة، وتركيبتها العجيبة، لا تقارن بأي مادة بيولوجية أخرى.
يقول أرتيم دافيدينكو، الذي أجرى تجارب عديدة على خيوط العنكبوت على مدى ثلاثة أعوام خلال تحضيره أطروحة الدكتوراه في جامعة آخن الألمانية، "يمكن لحرير العنكبوت، يبلغ قطره سنتيمترين، أن يجر طائرة بأكملها"، حيث تفوق متانتها متانة الحديد الصلب بخمس مرات ومرونتها ضعف مرونة النايلون، رغم أنها تتميز عنه بقابليتها للتحلل البيولوجي لذا يمكن استخدامها في صناعة الدروع الواقية للجسم، كما أنها غير سامة ما يجعلها مناسبة للاستخدامات الطبية والجراحية.
فخيوط العنكبوت تشكل مصدر إلهام للعلماء لتطوير كل شيء، من إعادة تجميع العظام المكسورة في جسم الإنسان، إلى صناعة ملابس واقية من الرصاص، إلى إنتاج أجهزة لتخفيض الضوضاء، حتى إلى إنتاج أجهزة لاقطة للأصوات والمكالمات عن بعد.
كما لاحظ العلماء عدم اقتراب الحشرات من خيوط العنكبوت لذا اعتقدوا أنها تحتوي على مادة مقاومة للبكتيريا، إلا أنهم اكتشفوا قريبا أن المادة التي تتغذى عليها الحشرات عادة محفوظة داخل جدران خيوط العنكبوت بحيث لا تستطيع هذه الحشرات الوصول إليها، لأن السر يكمن في تكوين الخيط الواهن نفسه.
من هنا بدأت رحلة البحث عن هذه الميزة الفريدة من نوعها لإنتاج مادة مضادة للبكتيريا. فالمضادات الحيوية المستخدمة طبيا اليوم لم تعد تقوى على مقاومة كل أنواع الالتهابات التي تصيب الإنسان. فهناك أنواع مستجدة من البكتيريا تستعصي على هذه المضادات. وتسجل إحصاءات منظمة الصحة العالمية وفاة مئات الآلاف من البشر سنويا لاستقواء البكتيريا على المضادات الطبية المعروفة.
ولخصائصها الفريدة وجد العلماء أن بالإمكان استخدام خيوط العنكبوت الطبيعية أو أنواعها المركبة اصطناعيا، لالتئام الجروح الخطيرة مثل الحروق أو قروح مرضى السكري، وكذلك أنواع أخرى من الجروح العميقة. حين يخفق الجلد في معالجتها تلقائيا، والمدهش أن قدماء الرومان، استخدموا شبكات العنكبوت لشفاء الجروح، وعلاوة على ذلك، فإن هذا النسيج يمكن استعماله في هندسة الأنسجة الحية التي تتطلب مواصفات معينة في النسيج، لإصلاح أي تلف في الأعصاب والأنسجة العصبية المتهتكة وعمليات التجميل. وتبقى العقبة الأكبر كيفية إنتاجه إذ نحتاج إلى أعداد كبيرة من العناكب وهذا صعب جدا لأن العناكب لا تتورع عن أكل لحم جنسها.