الابتكار الياباني.. مقاومة إحباط العقود الاقتصادية الضائعة

الابتكار الياباني.. مقاومة إحباط العقود الاقتصادية الضائعة

كانت اليابان قلقة لما يقرب من ثلاثة عقود منذ انهيار "الفقاعة" الاقتصادية في ثمانينيات القرن الماضي - على مستوى القطاعين العام والخاص على حد سواء - بشأن تراجع قوى الابتكار. مع ذلك، يبدو أن إلحاحية التحذيرات لا تترجم في الأغلب إلى فعل مباشر.
لكن هذا قد يتغير. في ربيع هذا العام، أطلقت اليابان رسميا أول صندوق منح وطني للجامعات - بقيمة عشرة تريليونات ين (82 مليار دولار) وهو الأكبر من نوعه في العالم، ووفقا للمكلفين الآن بإدارته، فإن هذا يعد اعترافا واضحا بأن الدولة في حاجة ماسة إلى أخذ التنافسية المبتكرة بجدية أكبر.
يعد إنشاء الصندوق، إلى جانب خطط إنشاء "جامعة التميز" أحد الجهود المبذولة حول فكرة أن اليابان بحاجة ماسة إلى إيجاد بيئة مالية وهيكلية وتنظيمية مواتية للابتكار. في حجة تتكرر في مختلف فروع الحكومة، يجب أن يتم توجيه هذا نحو حل المشكلات التي تواجهها اليابان، باعتبارها المجتمع الأسرع شيخوخة في العالم.
يعد الصندوق جزءا من نهج ذي شقين تتبعه اليابان يتضمن دعما للشركات الناشئة ودعما من الدولة أكثر تركيزا على البحوث الأساسية التي تشكل الأساس لدولة مبتكرة. سيهدف إلى توفير الدعم المالي للأبحاث من خلال العوائد السنوية على استثماراتها.
يقول ماسا كازو كيتا، كبير مسؤولي الاستثمار في الصندوق الجديد، إن السؤال سيكون كيف ستستجيب الجامعات للدعم المقدم؟
يقول: "أود أن أرى مدى نجاح الجامعة في تحقيق التوازن بين الركائز الثلاث لنمو الأعمال، والأبحاث المتقدمة، وتعزيز الحوكمة. في الأغلب ما يشعر الناس بالقلق من إهمال الأبحاث إذا تم التركيز كثيرا على الأعمال التجارية". أضاف: "الغرض من الصندوق هو بناء جامعات بحثية يمكنها المنافسة عالميا".
في نيسان (أبريل)، قدمت "جيه بي إكس"، الشركة التي تقف وراء بورصة طوكيو، أكبر عملية إعادة تنظيم لأسواق الأسهم اليابانية منذ عدة عقود - وهي عملية تنظيم للبورصة تسهل على رأس المال المغامر تحديد الابتكار الياباني والمراهنة عليه، من بين تغييرات أخرى تهدف إلى تحسين صورة طوكيو العالمية للمستثمرين.
تأتي هذه التطورات في أعقاب مخاوف متكررة من قادة التكنولوجيا بشأن الآثار طويلة المدى للانحدار الديموغرافي، وما يسمى العقود الاقتصادية "الضائعة"، والعقبات الهيكلية الأخرى أمام القدرة التنافسية - وكيف أثر كل ذلك في الابتكار الياباني.
من بين الأصوات كان شوجي ناكامورا، مخترع إضاءة إل إي دي LED الزرقاء، الذي اشتهر بمغادرة اليابان إلى الولايات المتحدة بسبب إحباطه من الطريقة التي فشلت بها الشركات اليابانية في مكافأة المخترعين. قال ذات مرة لـ"فاينانشيال تايمز" إن أقسام الأبحاث اليابانية كانت مراكز "لغسيل الأدمغة" التي أقنعت المخترعين بأنهم لا يستحقون تقديرا ماليا أكبر لعملهم.
لكن العكس كان في قاعدة صناعية ممتلئة بشركات، مثل "نايديك" و"فانيك"، التي ظلت قادرة على جذب أفضل الأشخاص لإنتاج منتجات تنافسية على الصعيد العالمي، ولا يزال نظام التعليم ينتج مبتكرين قادرين على المنافسة.
عندما يتعلق الأمر بمقاييس أخرى للابتكار، كانت اليابان أيضا قادرة على الإشارة إلى العقود العديدة التي احتلت فيها المرتبة الأولى، أو اقتربت منها، في قائمة المتصدرين العالميين في تسجيل براءات الاختراع السنوية - حتى مع احتلال الصين وكوريا الجنوبية مراتب أعلى من أي وقت مضى.
خلال العام الأول للجائحة، حافظت اليابان على مكانتها ثالث أعلى دولة في العالم تسجل براءات الاختراع، مع 288472 طلبا. عندما تحول اهتمام المستثمرين إلى مقاييس أخرى، مثل نشاط رأس المال المغامر وعدد الشركات الناشئة الناجحة، تمكنت اليابان من القول إن نموذج أعمالها يميل إلى إبقاء هذه الأشياء داخليا في الشركات الكبرى - وبالتالي تكون أقل ظهورا.
لكن في الآونة الأخيرة، تراجعت الثقة بهذه الحجة بشكل حاد. يركز الابتكار في جميع أنحاء العالم بشكل متزايد على مجالات خارج الخبرة التقليدية لليابان، الأمر الذي دفع الدولة إلى العمل على الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا المالية، والتكنولوجيا الحيوية، خاصة، الابتكار المدفوع بالبرمجيات حيث تصدرت كل من الصين والولايات المتحدة زمام المبادرة بشكل كبير.
حتى مع ارتفاع الاستثمار في الشركات الناشئة اليابانية من أقل من ملياري دولار في 2015 إلى نحو ثلاثة أضعاف ذلك في 2019، أنتجت اليابان عددا أقل بشكل ملحوظ من الشركات الناشئة وحيدة القرن، أو ذات رأسمال يتجاوز مليار دولار، مقارنة بالولايات المتحدة.
في ضوء هذه التغييرات في البيئة التنافسية، دعا تقرير مؤثر للغاية، نشر في آذار (مارس) 2020 من قبل منظمة التجارة الخارجية اليابانية، إلى بذل مزيد من الجهود المتضافرة للابتكار وتسريع تطوير المنتجات، من أجل تحسين القدرة التنافسية للشركات اليابانية.
حذر التقرير من أنه "سيكون من الصعب تحقيق ذلك إذا استمرت الشركات ببساطة في الاعتماد على موارد أعمالها الخاصة في شكل تكنولوجيات وموارد بشرية، فضلا عن نموذج الأعمال التقليدي".
جادل بأنه سيتعين على الشركات اليابانية الاستفادة استباقيا من الموارد الخارجية، حيث إن البيئة التقليدية، التي تطورت فيها الشركات عبر هرم من الابتكار في جميع أنحاء سلسلة الإمداد، تتعرض لصدمة بسبب التغيير.
أشار تقرير منظمة التجارة الخارجية اليابانية إلى عدد من المشاريع المبتكرة يجري التخطيط لها، ولكن أحد أكبر التغييرات العملية أجري على النظام الضريبي، لتشجيع الشركات اليابانية التي كانت تقليديا تدخر نقودا لتحويل ذلك إلى شركات ناشئة.
النظام الجديد، الذي دخل حيز التنفيذ في السنة المالية التي انتهت في آذار (مارس) 2021، يقدم للشركات ورأس المال المغامر خصما ضريبيا كبيرا على الاستثمارات في شركات المشاريع غير المدرجة التي يقل عمرها عن عشرة أعوام.

الأكثر قراءة