رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الاقتصاد السعودي .. الثقة والقوة

على الرغم من التوترات العالمية الكبيرة، يواصل الاقتصاد السعودي مسيرته نحو تحقيق مستهدفات رؤية المملكة العربية السعودية 2030، وقد كان للخروج السريع من الآثار الاقتصادية للجائحة دافع قوي للاستمرار في مسار التنمية المتوازنة المستندة إلى رؤية اقتصادية شاملة، مع مشاركة واسعة من القطاع الخاص.
ولقد أكدت وكالة التصنيف الائتماني "فيتش" هذه الثقة، التي يتمتع بها الاقتصاد السعودي اليوم مع تحسن التصنيف الائتماني عند A مع تعديل النظرة المستقبلية من "مستقرة" إلى "إيجابية"، مقارنة بتقريرها الذي نشرته في تموز (يوليو) 2021.
هذا التعديل الإيجابي للنظرة المستقبلية للسعودية يجعلها ضمن الدول المعدودة عالميا، والدولة الوحيدة من دول الـG20، التي تمكنت من تحسين النظرة المستقبلية لتصنيفها الائتماني مرتين منذ بداية العام الحالي، فما الأسباب الكامنة خلف هذه الإنجازات؟ لقد تحسنت الأمور كثيرا منذ آخر تقرير للوكالة الدولية، فالمملكة استطاعت أن تحقق عددا من الإنجازات على مستوى المالية العامة، فنمت الإيرادات العامة من 782 مليار ريال في 2020 لتتجاوز المقدر لها في 2021 وتحقق أكثر من 900 مليار، على الرغم من أن تقديرات الميزانية في بداية العام كانت تشير إلى تحقيق أقل من 850 مليارا، كما انخفض العجز من 294 مليارا عام 2020، ليصل إلى 85 مليارا بنهاية 2021 لإعلان الميزانية، ومن المتوقع أن تحقق المالية العامة فائضا لهذا العام يبلغ 90 مليار ريال، على الرغم من أن هذه التقديرات لا تخلو من التحفظ، حيث لا يزال كثير من المحللين يتوقعون أن تحقق المالية العامة فوائض أكبر من هذا الرقم.
هذا الاتجاه الذي حققته المالية العامة يأتي أحد الآثار الاقتصادية لبرنامج الاستدامة المالية، وتعزيز الضبط المالي من خلال إنشاء عدة كيانات، مثل: هيئة كفاءة الإنفاق والمشاريع الحكومية، والمركز الوطني لإدارة الدين، ومركز تنمية الإيرادات غير النفطية.
وقد حقق البرنامج عديدا من الإنجازات، فيما يتعلق بالأنظمة الوطنية المتعلقة بالمالية العامة، وساعد على السيطرة على نسب العجز من الناتج المحلي الإجمالي، وانخفض من 15.8 في المائة في 2015 إلى 2.7 في المائة في 2021.
بينما يشير أبرز المؤشرات الاقتصادية على المدى المتوسط إلى ارتفاع الناتج المحلي الاسمي من 2625 مليار ريال إلى 3207 في عام 2021، ومن المتوقع أن يواصل النمو متجاوزا 3600 مليار ريال عام 2024.
كما ارتفعت الإيرادات غير النفطية من 185 مليارا عام 2016 متجاوزة 360 مليارا عام 2020 بنمو يصل إلى 93 في المائة، فيما كان إعلان الميزانية لعام 2022 قد توقع أن تنمو الإيرادات غير النفطية لعام 2021، 18.2 في المائة، مقارنة بعام 2020.
هذه الاتجاهات الإيجابية والنمو المتزامن لجميع المؤشرات الاقتصادية تأتي نتيجة الالتزام ببرنامج الاستدامة المالية، وهو ما أكدته وكالة التصنيف الائتماني في تقريرها من أن تعديل نظرتها المستقبلية إلى "إيجابية"، لم يكن بسبب المؤشرات الاقتصادية فقط والتنبؤات الجيدة، بل جاء نتيجة هذا الالتزام بتعزيز حوكمة المالية العامة، واستمرارها في الإصلاحات الهيكلية، وتطبيقها عديدا من خطط تنويع الاقتصاد، إضافة إلى ارتفاع إيراداتها النفطية نتيجة تحسن أسعارها.
من اللافت للانتباه في تقرير وكالة "فيتش"، ما أشارت إليه من انخفاض الإنفاق الرأسمالي إلى 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ11 في المائة في 2014، وهذه نتيجة قد تبدو مقلقة في أول وهلة، وتتعارض مع التعديل الإيجابي، فالمفترض من الناحية الاقتصادية أن ترتفع حصة الإنفاق الرأسمالي وحصته من الميزانية العامة، لكن تقرير الوكالة العالمية، أوضح أن هذا التراجع في الإنفاق الرأسمالي ليس على مستوى الاقتصاد الوطني السعودي، بل هو فقط على مستوى المالية العامة، فقد ارتفع الإنفاق خارج الميزانية من قبل صندوق الاستثمارات العامة، وصناديق التنمية الوطنية، ما يرفع الهوامش في الميزانية العامة للدولة.
وهنا يظهر بجلاء واحد من أهم مستهدفات الرؤية، فالتنمية الاقتصادية اليوم لم تعد محصورة فيما تموله المالية العامة، ما يوجد تذبذبا في الإنفاق من عام إلى عام حسب الصدمات المالية، وتراجع الأسعار في أسواق النفط، فالمشاريع التنموية تجد روافدها أيضا من الاستثمارات العامة، ومن مشاركة القطاع الخاص.
الاستراتيجية الوطنية للاستثمار تستهدف ضخ 12 تريليون ريال أي نحو أربعة أضعاف إجمالي الناتج المحلي لعام 2021، بما يحقق نمو العوائد ونمو فرص العمل في القطاعين شبه الحكومي، والخاص، وخفض معدل البطالة الحالي من 11 إلى 7 في المائة، كما هو مخطط له، وقد أشادت الوكالة الدولية بذلك، وأكدت أنه يعزز الثقة بحوكمة ومضي هذه الاستراتيجية الوطنية قدما، إلى جانب الدعم الذي تجده من صندوق الاستثمارات العامة، وصندوق التنمية الوطني، ومساهمة شركة أرامكو السعودية، والمستثمرين غير الحكوميين المشاركين في الاستراتيجية.
توالي تقارير التصنيف العالمية الإيجابية يؤكد قوة الاقتصاد السعودي، وتسارع خطاه باتجاه تحقيق أهداف الرؤية، والإنجازات النوعية، ومقاومة التحديات، والتكيف مع جميع التغيرات الاقتصادية العالمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي