كوفيد طويل الأمد .. أزمة الصحة العامة غير المرئية تغذي نقص العمالة

كوفيد طويل الأمد .. أزمة الصحة العامة غير المرئية تغذي نقص العمالة
كوفيد طويل الأمد .. أزمة الصحة العامة غير المرئية تغذي نقص العمالة

عندما عادت كاتي لازل-فيرمان إلى العمل بعد تعافيها من عدوى كوفيد - 19، اكتشفت بسرعة أن الفيروس كان له تأثير أكبر بكثير على جسمها مما كانت تعتقد في البداية.
"استيقظت فجأة وأنا أشعر بالإرهاق الشديد والدوار. كان معدل نبضات قلبي 135 نبضة في الدقيقة وأنا واقفة، و140 - 150 أثناء المشي"، كما تقول الشابة البالغة من العمر 35 عاما، وهي عالمة بيانات من نيويورك. "لم أستطع التفكير بشكل صحيح وعانيت وأنا أبرمج على الكمبيوتر المحمول الخاص بي".
تقول لازل-فيرمان، التي التقطت عدوى كوفيد خلال الموجة الأولى التي اجتاحت المدينة في 2020، إنها اضطرت إلى ترك وظيفة بموجب عقد والتوقف عن العمل في شركة ناشئة أسستها لتطوير برامج لهواة جمع الأعمال الفنية. قام طبيبها بتشخيصها باضطراب في الدورة الدموية وأمراض أخرى مرتبطة بكوفيد، ما جعلها طريحة الفراش في بعض الأيام وحبيسة المنزل في أيام أخرى.
بعد 18 شهرا، كانت لازل-فيرمان لا تزال غير قادرة على العمل أو العودة إلى هوايتها المفضلة، الرقص المتأرجح والمشي لمسافات طويلة. رفضت السلطات أخيرا طلبها للحصول على استحقاقات العجز من الضمان الاجتماعي. تخلت عن شقتها في نيويورك وانتقلت للعيش مع حماتها. تقول، "لقد سلب كوفيد حياتي المهنية واستقلالي المالي وقدرتي على الاعتناء بنفسي".
لازل-فيرمان واحدة من نحو 100 مليون شخص في جميع أنحاء العالم يعانون مرض كوفيد طويل الأمد، وهي حالة منهكة تستمر فيها أعراض كوفيد لمدة 12 أسبوعا أو أكثر، ما يجعلهم في كثير من الأحيان غير قادرين على العودة إلى حياتهم العملية السابقة.
يعاني المصابون مجموعة واسعة من الأعراض. يعد ضيق التنفس وخفقان القلب أمرين شائعين، وكذلك مشكلات الجهاز الهضمي والتعب الشديد والأرق المعوق. كما يعاني البعض طنينا في الأذن، والرعشة، وألم الأعصاب أو الحساسية للضوضاء والضوء.
يعاني البعض الآخر تأثيرات عصبية وإدراكية دائمة تكون أقل وضوحا، لكنها تسبب العجز بشكل مساو. فكثيرون يعانون الاكتئاب أو القلق أو "ضباب الدماغ"، ويعانون ضعفا في الذاكرة والتركيز واتخاذ القرارات.
تقول أليسون توايكروس، طبيبة تمريض ومحاضرة سابقة في المملكة المتحدة أصيبت بالمرض في آذار (مارس) 2020، "إن قدرتي المعرفية ليست قريبة أبدا مما كانت عليه من قبل. في يوم جيد يمكنني العمل لمدة ساعتين في الصباح وساعتين في الظهيرة. أنام فيما بينهما".
في حين أن كوفيد طويل الأمد يتسبب في خسائر فادحة للأفراد المصابين، إلا أنه يمثل أيضا كارثة قيد التشكيل للشركات والاقتصادات – من الممكن أن يدفع أعدادا كبيرة من الأشخاص إلى الخروج من أسواق العمل، حيث يكافح أصحاب العمل بالفعل للتوظيف.
وفقا لدراسة بريطانية حول آثار الفيروس بعد دخول المستشفى، فإن واحدا من كل خمسة مرضى في المستشفى مصاب بكوفيد لا يزال لا يعمل بعد خمسة أشهر. وقد غيرت نسبة مشابهة وظائفها بسبب مشكلات صحية.
لم تتمكن توايكروس من العودة إلى وظيفتها، واضطرت إلى توظيف معاون لمساعدتها في الكتاب الذي تحرره. تقول، "لا يمكنني الاهتمام بالتفاصيل، لذا، وظفت شخصا ما للتحقق من فصولي وأنا متأخرة جدا".
بدأ صناع السياسة في الشك في أن هذه الحالة هي أحد عوامل نقص العمالة الذي شوهد في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، حيث يتطلع كثير من العمال الأكبر سنا إلى العمل لساعات أقل أو تركوا القوة العاملة تماما. تكهنت إحدى الدراسات التي أجراها معهد بروكينجز في كانون الثاني (يناير) بأن كوفيد طويل الأمد يمكن أن يمثل ما يزيد على 15 في المائة من 10.6 مليون وظيفة شاغرة في الولايات المتحدة.
تقول ديانا بيرنت، مؤسسة مجموعة سرفايفور كوربس لدعم المصابين بكوفيد طويل الأمد في الولايات المتحدة، "لا يهم ما إذا كنت تقود الشاحنة أو تعمل على ماكينة تسجيل المدفوعات النقدية في ’ماكدونالدز‘ أو تدير شركة مسجلة في مؤشر فورتشن 500. لا يمكنك العودة إلى أي من تلك الوظائف ولديك خلل معرفي".
الحالة جديدة لدرجة أن قانون العمل لم يلحق بها بعد، في كثير من الدول، لم توضح الحكومات والمحاكم بعد إلى أي مدى ينبغي التعامل معها على أنها إعاقة أو مرض مهني. في 5 نيسان (أبريل) الجاري، قالت إدارة بايدن إنها ستوسع نطاق البحث الوطني حول كوفيد طويل الأمد، ووجهت الوكالات الفيدرالية لدعم المصابين في سعيهم للعلاج ومحاولة العودة إلى العمل.
لكن في غضون ذلك، يقول النشطاء إن أصحاب العمل بحاجة إلى الاعتراف ليس فقط بمسؤولياتهم الخاصة، لكن أيضا بالتأثير المحتمل على شركاتهم. تقول بيرنت، "نحن نتحدث عن (...) الأشخاص في مقتبل العمر، الذين هم أيضا في ذروة إمكاناتهم لكسب الرزق".
حجم المشكلة على الصعيد العالمي غير معروف حتى الآن، قلة قليلة من الدول تجمع بيانات عن حالات كوفيد طويل الأمد، وأصحاب العمل ليسوا دائما على دراية بالحالات بين موظفيهم، الذين يكافحون في كثير من الأحيان للحصول على تشخيص، أو يترددون في الكشف عن حالاتهم. خوفا من أن يؤثر ذلك في وظائفهم.
لكن في بعض الدول، تعطي بيانات سوق العمل فكرة عن كيفية نمو المشكلات الصحية طويلة الأمد خلال الجائحة. في الولايات المتحدة، حيث يمكن تصنيف كوفيد على أنه إعاقة بموجب قانون الأمريكيين ذوي الإعاقة، تظهر بيانات القوى العاملة أن عدد المدنيين ذوي الإعاقة الذين يعملون أو يسعون إلى الحصول على عمل زاد 1.36 مليون شخص، بارتفاع 23 في المائة، في الفترة بين كانون الثاني (يناير) 2021 وكانون الثاني (يناير) 2022.
في غضون ذلك، تظهر بيانات سوق العمل في المملكة المتحدة زيادة نحو 200 ألف منذ بداية الجائحة في عدد الأشخاص الذين لا يعملون أو يبحثون عن عمل بسبب اعتلال الصحة على المدى الطويل. تقول ربع الشركات البريطانية إن مرض كوفيد طويل الأمد هو أحد الأسباب الرئيسة لغياب الموظفين لفترات طويلة.
تنشر المملكة المتحدة أيضا عددا شهريا رسميا للحالات المبلغ عنها ذاتيا، حيث قال نحو 1.2 مليون شخص في آذار (مارس) إنهم عانوا أعراض كوفيد طويلة الأمد مستمرة لمدة 12 أسبوعا على الأقل، مع كون النساء والأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 35 و49 عاما والعاملين الصحيين والمعلمين الأكثر تضررا. قال ما مجموعه 784 ألف شخص إنهم كانوا يعانون منذ عام على الأقل، وقال 322 ألف شخص إن هذا المرض حد من أنشطتهم اليومية "بشكل كبير".
تقول كلير راينر، طبيبة مهنية استشارية سابقة مصابة بكوفيد طويل الأمد وتساعد في تطوير الخدمات للمرضى، "أعتقد أننا أمام مشكلة أكبر بكثير".
إنها تعتقد أن أعداد المتأثرين ستصبح أكثر وضوحا، حينما تطلب الشركات من الموظفين العودة إلى المكاتب، وحينما يقوم بعض أصحاب العمل في خدمة الصحة الوطنية، الذين أبقوا حتى الآن على العاملين الصحيين بأجر كامل أثناء إجازة مرضية متعلقة بكوفيد، يسحبون هذا الدعم.
تقول راينر، "هناك وضع حرج قادم قريبا جدا"، مضيفة أنها كانت ترى بشكل متزايد أن الأشخاص "يتم دفعهم لترك العمل" إذا لم يتمكنوا من العودة بدوام كامل.
أسست توايكروس، المحاضرة السابقة، مجموعة مناصرة للممرضات والقابلات المتأثرات بكوفيد طويل الأمد في المملكة المتحدة وواجهت كثيرا من الأشخاص الذين تخلوا عن مسؤولياتهم الإدارية أو قللوا ساعات عملهم أو أجبروا على الاستقالة. تقول إن ما يثير القلق هو "مدى سوء معاملتهم عندما يحاولون العودة إلى العمل. يجب أن يكافحوا للحصول على عودة تمتد على مراحل".
وجدت الأبحاث التي أجراها مؤتمر النقابات العمالية في المملكة المتحدة أن ربع الموظفين الذين لديهم كوفيد طويل الأمد لم يجرؤوا على إخبار صاحب العمل، بينما واجه الخمس أسئلة حول تأثير أعراضهم وشعر واحد من كل 20 موظفا بأنه مجبر على التقاعد أو الاستقالة أو اعتبار نفسه زائدا عن حاجة العمل. "لدينا مشكلة كبيرة في مكان العمل، وهي مشكلة متنامية"، كما تقول سو كو، كبيرة مسؤولي السياسات في مؤتمر النقابات العمالية.
على الشركات أن تقدم "دعما هائلا ونصائح مخصصة" للموظفين الذين يعانون مرض كوفيد طويل الأمد، كما تضيف راينر. "إذا لم نفعل ذلك، سيحصل هؤلاء الأشخاص على إعانات، ويفقدون منازلهم. أصحاب العمل يفقدون قدرا هائلا من المواهب. إن أصحاب العمل بحاجة إلى النظر إلى الصورة الكبيرة".

التحدي الذي تواجهه الشركات
بدأت بعض الشركات العالمية الكبرى ترى الآن أن هذه الحالة المرضية باتت تشكل خطرا جسيما على أعمالها.
يقول ستيفن بيفان، رئيس تطوير أبحاث الموارد البشرية في معهد دراسات التوظيف في المملكة المتحدة، إن هذه القضية كانت "على رأس جدول الأعمال" لكبار المسؤولين الطبيين المؤثرين الجدد في الشركات الأوروبية الكبرى، الذين كانت لديهم "رؤية واضحة ومباشرة تربط بين أعراض كوفيد طويلة الأمد وبين تدني القدرة الاستيعابية للعاملين" وأنهم سعوا إلى التدخل المبكر من أجل خفض تكلفة تغطية حالات الغياب الطويلة بين موظفي المصارف والوكالات.
كان بيفان يعمل أيضا مع الشركات متعددة الجنسيات التي كانت تشعر بالقلق إزاء التعطيل المحتمل لعملياتها في الأسواق الناشئة مثل البرازيل والهند اللتين تضررتا بشدة بسبب كوفيد.
قد تضطر الشركات الصغيرة أيضا إلى تطوير سياسات للتعامل مع الوضع القائم. في الولايات المتحدة، يتعين على أصحاب العمل تقديم "تسهيلات معقولة" للسماح لمن يتم تقييمه على أنه يعاني إعاقة، بالاستمرار في وظائفهم، ويقول المحامون إن الدعاوى القضائية المتعلقة بأعراض كوفيد طويلة الأمد أصبحت أكثر انتشارا مع طلب الشركات من الموظفين العودة إلى مكاتبهم.
تلقت اللجنة الأمريكية لتكافؤ فرص العمل أكثر من أربعة آلاف دعوى بانتهاك قوانين الإعاقة المتعلقة بكوفيد خلال 2020 و2021. على الرغم من أن الوكالة لا تميز بين المطالبات الخاصة بكوفيد وتلك الخاصة بكوفيد طويل الأمد، إلا أنها نشرت إرشادات لأصحاب العمل في كانون الأول (ديسمبر) الماضي لتنبيههم بشأن هذه المشكلة.
يقول سالفاتور جانجيمي، شريك في شركة مورثا كولينا الأمريكية للمحاماة، "ما زلنا نرى دعاوى مرفوعة مرتبطة بإنهاء عقود الموظفين بسبب كوفيد، لكننا لم نر حتى الآن المصدر الرئيس للقضايا التي تستند على أعراض كوفيد طويلة الأمد".
يضيف أن التعويضات عن الأضرار بموجب قوانين التمييز قد تصل إلى ملايين الدولارات. "أعتقد أن ما تفعله اللجنة الأمريكية لتكافؤ فرص العمل من خلال إصدار الإرشادات هو محاولة منها لاستباق المشكلة وحلها. الشركات تحتاج حقا إلى المشاركة أو على الأقل أن تحاول التعامل مع الموظفين الذين يثيرون هذه القضايا"، كما قال جانجيمي.
في حين أن المحاكم البريطانية لم تصدر حكما حتى اللحظة في الوضع القانوني لأعراض كوفيد طويلة الأمد، يقول محامون إن كثيرا من المصابين سيكون لديهم أسباب جيدة للمطالبة بالتعامل معهم على أنهم من ذوي الإعاقة، الأمر الذي يمنحهم أحقية في المطالبة بإجراء تعديلات معقولة لمساعدتهم على القيام بعملهم.
لكن هذا الأمر سيتطلب جهودا متضافرة من جانب أصحاب العمل وواضعي السياسات لتغيير ممارسات الموارد البشرية وأنظمة المزايا وثقافة أماكن العمل التي تتسبب، في الوقت الحالي، بخذلان كثير من الأشخاص الذين يعانون حالات صحية مزمنة.
كما يقول كوي إن المعاملة "الفظيعة" التي تلقاها كثير من الموظفين المصابين بأعراض كوفيد طويلة الأمد لم تكن مفاجئة، نظرا للتجربة الأوسع التي مر بها العمال من ذوي الإعاقة، الذين وجدوا في الأغلب أن أصحاب العمل غير راغبين في منحهم أي مرونة في فترات المناوبة في العمل أو فترات الراحة أو العمل المنزلي أو أي تغيير في مهماتهم.

العمل تحت هذا الظرف الصحي
الأشخاص الذين يعانون أعراض كوفيد طويلة الأمد، الذين يأملون في العودة إلى العمل، لديهم خيارات محدودة للعلاج، حيث بدأ الباحثون للتو فقط في تحديد حالاتهم الصحية.
قام الأطباء بتجربة مجموعة من الأدوية المستخدمة، بينما تقوم شركات الأدوية بتطوير علاجات جديدة تستهدف أعراضا مثل إجهاد العضلات أو التندب الرئوي، لكن حتى الآن لم يصل أي من هذه العلاجات إلى المرحلة الثالثة من التجارب. في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، تقدم العيادات المختصة في أعراض كوفيد طويلة الأمد الرعاية الصحية العقلية والعلاج الطبيعي، لكن قوائم الانتظار للمسجلين فيها طويلة.
يزداد التعامل مع هذا الظرف الصحي تعقيدا بسبب طبيعته التي يصعب التنبؤ بها، الأعراض تختلف بشكل كبير وتتقلب بشكل غير متوقع، حيث يجد كثير من المرضى أن قيامهم بمجهود خفيف قد يعرضهم إلى انتكاسة صحية.
هذا يعني أن سياسات الموارد البشرية النموذجية - التي تقدم للموظفين "عودة تدريجية" إلى ساعات عملهم ومهامهم المعتادة، على مدى أربعة أسابيع على الأرجح - تجعل الأفراد مهيئين للفشل، كما هي الحال بالنسبة لسياسات "إدارة الغياب" التي في الأغلب ما تبدو مصممة لتحديد المتهربين من العمل، وليس لدعم الذين يعانون بالفعل.
تقول جيني شولتا سميث، أخصائية علاج مهني وتعاني أيضا أعراض كوفيد طويلة الأجل، إنها حاولت مرتين العودة إلى وظيفتها بصفتها محاضرة، لكنها وجدت ذلك مستحيلا، حتى بعد أن دفعت من أموالها الخاصة لتلقي المساعدة في السيطرة على الإجهاد. قالت، "عادة ما أحاول الخروج في نزهة قصيرة مرة واحدة في الأسبوع، قد تكون حول المبنى أو لمسافة أطول قليلا (...)، لكن في بعض الأحيان أشعر بأني مرهقة للغاية".
كان صاحب عملها على استعداد لخفض ساعات عملها، لكنه لم يكن مسموحا لها أن تعمل من المنزل فقط، شعرت سميث في النهاية أنه ليس لديها خيار سوى الموافقة على ترك العمل والمطالبة فيما بعد بالاستحقاقات. منذ ذلك الحين، شغلت منصب أستاذة مشاركة، حيث تعمل بضع ساعات في الأسبوع من منزلها.
"يتضاءل الأمل قليلا في كل مرة"، كما تقول ليزلي ماكنيفن، المستشارة والناشطة في حملة التوعية بأعراض كوفيد طويلة الأمد، التي عانت "انتكاسة هائلة" أخيرا بعد أن طلب منها تقديم جلسة تدريبية في مكتبة مجتمعية كانت تديرها سابقا عبر الإنترنت. قالت، "إن عملية الوصول إلى هناك والعودة كذلك آذتني حقا لفترة (...) إنها وظيفة واحدة، لكنها الوظيفة التي أقدرها حقا ولا أريد أن أفقدها".
يقول أخصائيون في الصحة المهنية إنه لا ينبغي منح المصابين بأعراض كوفيد طويلة الأمد إجازة مرضية طويلة، لأن فترات عدم العمل الطويلة تضر بهم أيضا. لكن عوضا عن ذلك، ينبغي السماح لهم بالعودة بوتيرة أكثر سلاسة وبالتدريج، مع إدخال تعديلات مصممة خصيصا لظروفهم الصحية وتوفير الدعم المنسق من الموارد البشرية والمديرين التنفيذيين وزملائهم.
"كما هي الحال مع السرطان، يجب أن يكون الجهد جماعيا من أجل إعادة الناس إلى أعمالهم"، بحسب قول فيرونيكا سواينسون، التي قادت برنامجا متخصصا لإعادة التأهيل المهني للموظفين في صندوق مستشفى كينجز كوليدج التابع لهيئة الخدمات الصحة الوطنية في لندن، وهو أحد أكثر المستشفيات تأثرا أثناء الموجة الأولى للجائحة - الذي ساعد أيضا نحو 130 شخصا من القوى العاملة المكونة من 13 ألف شخص منذ صيف 2020.
تقول سواينسون إن الناس عادة ما يستغرقون نحو ثلاثة أشهر لاستعادة قوتهم والعودة إلى ساعات عملهم المعتادة بينما يتقاضون رواتبهم كاملة، لكن أشكال الدعم المقدمة تختلف على نطاق واسع. قد يتلقى الشخص الذي يعاني الإجهاد قسائم لسيارة أجرة من أجل تجنب التعب الناتج عن التنقل، بينما المدير رفيع المستوى الذي يكافح للقيام بمهام متعددة قد يمنح مساعدا لمساعدته في التخطيط ليومه.
تقول آن دي بونو، مستشارة الطب المهني في فريق العمل المختص بأعراض كوفيد طويلة الأمد التابع لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، إن الرعاية الخاصة ضرورية للعاملين في وظائف السلامة المهمة، مستشهدة بحالة أحد الجراحين في المستشفى الذي تعمل فيه، حيث تم منحه "زميلا موثوقا به" للعمل معه، بينما كان يستعيد ثقته بنفسه.
لكن هذا النوع من الدعم المكثف يعد استثنائيا، حتى في هيئة الخدمات الصحية الوطنية ذاتها، التي تدرك تماما المخاطر التي تشكلها أعراض كوفيد طويلة الأمد على قوتها العاملة المجهدة. وفي عدد قليل من الدول - من بينها هولندا - يجب على أصحاب العمل تحمل مسؤولية الموظفين الذين يصيبهم المرض. بينما في المملكة المتحدة، تعد الإجازات المرضية طويلة الأجل والمدفوعة نادرة الحدوث، مثلها مثل الوصول إلى الرعاية الصحية المهنية، حتى إذا كان الموظفون مشمولين ببرامج التأمين، قد تختار شركات التأمين عدم الدفع لهم. أما في الولايات المتحدة، فلا يلزم القانون الفيدرالي الشركات على الدفع مقابل الإجازات المرضية على الإطلاق، على الرغم من أن بعض الولايات والمدن والمقاطعات تفرضها.
مع ذلك، إذا ارتقى أصحاب العمل إلى مستوى التحدي الذي تمثله الإصابة بالأعراض طويلة الأمد لكوفيد، فسيحققون المكاسب - بينما يساعدون الأشخاص الذين أمضوا العامين الماضيين في الكفاح لاستعادة صحتهم وأسلوب معيشتهم لبدء حياتهم المهنية من جديد. تقول سواينسون، "إن الحياة تتغير باستمرار - على الشخص أن يتكيف مع حالته. لكن تعافيهم يصبح إيجابيا بمرور الوقت. سيعودون إلى شيء من الحياة الطبيعية".
تأمل لازال-فيرمان في أن ينتج عن الأبحاث الطبية علاجات جديدة يمكن أن تساعد المرضى المصابين بأعراض كوفيد طويلة الأمد على العودة إلى العمل. لكنها تقول إن هناك حاجة إلى إطار عمل أكثر دعما من قبل كل من أصحاب العمل والسلطات الصحية للتعامل مع الأعداد الهائلة من المصابين.
كما تقول، "هذه جائحة. الظروف فيها غير عادية على الإطلاق. لذلك أنا أعتقد فقط أنه يجب أن يكون هناك ما يمكنهم القيام به في سبيل تسهيل الأمور على الناس".

الأكثر قراءة