إرث الأرض
نعتقد دوما أن التربة هي من تمنح الحياة للنباتات وتزودها بالماء والغذاء ولم يخطر في بالنا أن النباتات سواء المفيدة أو الضارة تمنح شيئا من خصائصها للتربة التي احتضنتها!
هناك في جوف الأرض حيث تعانق الجذور التربة تحدث تفاعلات حيوية بين النباتات والأرض لا تكتفي بتغيير سمات النبات، بل تتعداها لتغير من خصائص التربة وقد يستمر تأثير النباتات في التربة حتى بعد التخلص منها أو انتهائها، ليبقى إرثا ينتقل من الأرض إلى النباتات الأخرى فتغير من طبيعتها وإنتاجيتها!
وأظهرت الدراسات أن سبب هذا الغنى والتنوع النباتي تحلل فضلات جذور النبات وبعض أجزائها مثل الأوراق المتساقطة وزيادة عنصر النيتروجين، وإدخال أنواع جديدة ومحددة للتربة تعزز من هذا التنوع الذي قد يستمر لعدة أعوام!
فمنذ أن وجد الإنسان على الأرض وهو يتنقل من مكان إلى آخر بحثا عن المراعي والأراضي الخصبة ومع مرور الزمن وتقدم الحضارة، بدأ الناس زراعة ما يحتاجون إليه دون اتباع أي نظام معين، ووجدوا أنه من خلال زراعة نبات معين بشكل متكرر في المكان نفسه لعدة أعوام، تقل إنتاجية النبات حتى يختفي، وخلصوا إلى أن هذه الطريقة تستنفد الأرض، ومع توسع معرفة الإنسان ومحاولة فهمه لما يدور حوله اكتشف قيمة البقوليات ودورها الفاعل في تجديد قوة الأرض، والعلاقة بينها وبين تثبيت النيتروجين واتضحت قدرة البقوليات على استعادة خصوبة التربة وأهميتها في هياكل الأرض الهوائية.
والمدهش أن إزالة الأنواع النباتية الغريبة والحشائش الضارة من المجتمع النباتي الواحد لا تكفي لاستعادة التربة حالتها الأولى، بل يبقى الأثر خصوصا إذا منحت الأرض إرثها قبل أن تختفي.
وترث الأرض إضافة إلى ما سبق الآليات الدفاعية التي تكونها النباتات ضد مسببات الأمراض، إذ أشارت إحدى التجارب إلى أن تهيئة التربة وزراعتها بنباتات مصابة بعوامل ممرضة مثل العفن الفطري، يؤدي إلى تقليل إصابة النباتات الجديدة بالمرض وظهور نباتات مقاومة له في التربة نفسها، لأن الأرض أصبحت مشبعة بالعوامل التي تحمي النبات.
حتى جراثيم التربة تورث، إذ تفرز النباتات مواد تحفز جراثيم التربة فتساعد النباتات على امتصاص الماء والغذاء وتمنحها الحماية من النباتات الأخرى الغريبة ويستمر هذا العمل التكافلي للأجيال النباتية المقبلة!
ويمكن الاستفادة من إرث الأرض بإدخال أنواع مختلفة من الجراثيم تزامنا مع أنماط من النباتات الوراثية التي تعمل على تحسين نشاطها والمحافظة عليها ويقلل من استخدام المبيدات والأسمدة الكيميائية.