اقتصادات رمضان

هل توجد اقتصادات لشهر رمضان أم لا؟ سؤال يتكرر طوال هذه الأعوام، وربما طرأ على آخرين، ومن أجل الإجابة عن هذا السؤال تحديدا تلزم الإشارة إلى أن رمضان شعيرة دينية في كل المجتمعات الإسلامية، أينما كانت، تشترك المجتمعات فيما بينها في طقوس، ذات علاقة بالشهر، وتختلف في أمور أخرى.
من الأمور المشتركة الشائعة منذ قرون الاستعداد المبكر نتيجة الاشتياق للشهر الكريم، حيث تسعى الأسر في وقت مبكر لشراء ما تحتاج إليه من مأكولات، وأوان، وكماليات، ومفرحات للأطفال، وملابس، وألعاب نارية في موسم العيد، ومن واقع الأعوام الخوالي مشاهد الأطفال يجوبون الشوارع قبيل أذان المغرب يحملون للجيران شيئا من مائدتهم اليومية.
كما أن الاستعداد يشمل المساجد بتنظيفها، وأحيانا تجديد فرشها، والعناية بها بتطييبها، وتزويدها بالمياه، والتمر لتفطير الصائمين، إذ في السابق تزود بالقرب، لكن مع تطور الصناعة، وتغير نمط معيشة الناس، وتوافر السيولة أصبحت البرادات البديل المنتشر في مساجد المملكة، ومع ظهور شركات، ومصانع المياه أصبحت المياه المعبأة بالقوارير هي الشائعة فيما تزود به المساجد من قبل المحسنين، وهذا يدخل في سياق الصدقات والأوقاف من قبل المقتدرين، وهذه المظاهر فيما سبق أو في الوقت الراهن بصورها الجديدة تمثل ما يمكن اعتباره نماذج لاقتصادات رمضان.
مظاهر اقتصادات رمضان تبدأ في وقت مبكر من قبل الأسواق، إذ يعاد ترتيبها، وتزويدها بكل المستلزمات الرمضانية، وغيرها، إضافة للدعاية في الشوارع، ووسائل الإعلام، وتقديم العروض الرمضانية من خلال نشرات توزع على البيوت، وداخل الأسواق، مشفوعة بالصور، والتنزيلات المفترضة، وتتم داخل نقاط البيع هذه حركة نشطة من المتسوقين الساعين لاغتنام فرصة العروض، إذ تشمل عملية الشراء ما هو مرتبط برمضان، أو غيره، ويلاحظ المراقب تحول الأسواق إلى خلية نحل تعج بالعاملين والمتسوقين استعدادا للمناسبة، حتى إن شهر الصوم أصبح فرصة لتوظيف الراغبين والباحثين عن عمل.
ومن الملاحظ كثرة المشتريات ما يشي بالقوة الشرائية، وكأن الناس يشترون مؤنة عام، أو عامين، وهذا بلا شك يمثل مناسبة سانحة للشركات لتصريف ما لديها من بضائع، ليس عليها إقبال في باقي أيام العام.
مجتمعنا كغيره من المجتمعات التي تشهد مناسبات دينية، ووطنية، كما في الغرب، والدول الآخذة بثقافته، كرأس السنة الميلادية، وأعياد الميلاد، حيث تشهد الأسواق حمى شرائية احتفاء وفرحا في هذه المناسبات، فما شجرة الميلاد، ووجبة الديك الرومي، وبابا نويل إلا أمثلة بسيطة على نوع السلع المطلوبة في مناسبات تلك المجتمعات.
وانتهازا لهذه الفرص تجتهد جهات الإنتاج من مصانع وشركات في تنويع المنتجات، وابتكار منتجات جديدة بألوان وأشكال جديدة، كما في حالة منتجات الأواني، حيث يكون الإبداع في أشكالها وألوانها، حتى يشبه الإقبال عليها واقتناؤها ما يشبه الظاهرة في ضرورة تجديد الأواني، بل الأثاث واقتناء ما تم استحداثه باعتباره من ضرورات رمضان.
لا أحد ينكر الحركة التجارية النشطة في رمضان، إلا أن مفهوم الاقتصاد الحقيقي، كما هو متعارف عليه، والمتمثل في الإنتاج الوطني لهذه السلع، وما يترتب على ذلك من كسب الصنعة، وإيجاد الوظائف، وتثبيت ثقافة الإنتاج، والإبداع، والعمل الجاد لدى الأبناء لتتناقلها الأجيال يبقى محل تساؤل من أجل الإجابة عن سؤال: هل لرمضان اقتصادات؟
التأمل في السلع التي تملأ الأسواق يكشف أنها منتجات مستوردة في معظمها جاءت من دول عدة، وهذا في حد ذاته يتعارض مع الاقتصاد المنتج، وليس الاستهلاكي الذي يسود، وهذا له أبعاده النفسية والاجتماعية المتمثلة في عشق المظاهر والمباهاة، دون المبالاة بما يخسره اقتصاد الوطن من أموال طائلة.
مفهوم الاقتصاد ليس مقتصرا على مناسبة، أو مجال من المجالات، ففي التعليم يوجد ما يعرف باقتصادات التعليم، ومع أن المفهوم ليس واضحا بصورة مادية مباشره وآنية إلا أن مخرجات التعليم حتى مع تأخرها تمثل اقتصادا يحدث أثره في الكوادر المختصة في كل المجالات التي تضخ معارفها وخبراتها في أوردة اقتصاد الوطن.
ترى كيف يمكن الحكم على أن اقتصادات رمضان ذات قيمة في نمو الاقتصاد المحلي وتطوره بدل أن تكون مجرد استهلاك، وخروج للأموال خارج الوطن؟ الأمر يتطلب معايير ومؤشرات يستند إليها، ومنها مقارنة الاستهلاك خلال شهري شعبان ورمضان باستهلاك أشهر العام الأخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي