الشركات تواجه تحديات أخلاقية ولوجستية للبقاء في روسيا
عندما فرضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على النظام المصرفي الروسي، واجه إيجور بونداروف معضلة.
بونداروف، صاحب عمل تجاري صغير للطباعة ثلاثية الأبعاد، انتقل من روسيا إلى الولايات المتحدة قبل عشرة أعوام، لكنه لا يزال يعمل لديه مصمم في روسيا. لم يعد بونداروف قادرا على دفع رواتب هذا الموظف عبر حسابه المصرفي الروسي العادي أو عبر "ويسترن يونيون"، بل لجأ بدلا من ذلك إلى العملة المشفرة، حيث قام بتحويل العملة الرقمية إلى بورصة العملات المشفرة الصينية، التي يمكن بعد ذلك تحويلها إلى حسابه المصرفي الروسي لدفع راتب المصمم.
قال بونداروف: "حتى الآن هذا هو السبيل الوحيد (...) لا أريد أن أتخلى عنه. لديه طفل، وعائلة"، مشيرا إلى أن جميع أصحاب العمل الأجانب الآخرين المتعاقدين مع المصمم فسخوا عقودهم معه.
بعد شهر من العقوبات غير المسبوقة ضد موسكو، تسارع الشركات الصغيرة والشركات متعددة الجنسيات على حد سواء إلى التكيف، وإيجاد حلول مبتكرة للحفاظ على تدفق الأموال داخل وخارج البلاد، وتكافح مع قرارات معقدة حول تعليق الأعمال حتى تهدأ التوترات الجيوسياسية أو مغادرة روسيا بأكملها.
العقوبات التي جاءت ردا على التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا أدت إلى عزل روسيا عن النظام المالي العالمي. جمدوا أصولا روسية تبلغ قيمتها مئات المليارات من الدولارات، واستهدفوا بعضا من أكبر المقرضين في البلاد، ما جعل الأمر أكثر تعقيدا بالنسبة للشركات الغربية للقيام بأعمال تجارية هناك ودفع رواتب موظفيها الروس.
في مواجهة الضغوط المتزايدة في دولهم الأصلية، كثير من الشركات متعددة الجنسيات الغربية علقت عملياتها طواعية في روسيا، أو قلصتها أو أغلقتها بالكامل.
توقفت "فيزا" و"ماستركارد" عن معالجة المشتريات الأجنبية من الروس، وأوقفت "أبل" و"جوجل" مدفوعات الهاتف المحمول هناك، وأغلقت منافذ البيع المحلية الخاصة بـ "ماكدونالدز" و"ستاربكس".
تشير تقديرات كلية الإدارة في جامعة ييل، التي تتعقب الخروج الجماعي للشركات إلى أن أكثر من 450 شركة علقت عملياتها في روسيا أو خرجت منها. تتنوع من "أكسنتشر"، التي سرحت 2300 موظف في روسيا، إلى "جونسون آند جونسون"، التي قالت إنها ستعلق مبيعات منتجات العناية الشخصية مع الحفاظ على إمدادات الأدوية.
قائمة ييل للشركات التي "ما زالت موجودة" تمتد إلى أكثر من 40 علامة تجارية، بداية من "كوتش إندستريز" إلى "كورن فيري". اجتذبت اهتماما واسع النطاق، بما في ذلك من المسؤولين الأوكرانيين الذين اتهموا بعض الشركات المدرجة على القائمة بجني "أرباحها من الدماء".
بعض الشركات التي تعرضت لضغوط لمواصلة عملياتها تعيد التفكير في الأمر. تعهدت شركة بول كوربوريشن الأمريكية لصناعة العلب والقوارير، "باحترام التزاماتها" في روسيا. غيرت مسارها الأسبوع الماضي، قائلة إنها ستبيع شركة أسهمت 4 في المائة من إيرادات العام الماضي.
قال مستشارون إن قرار كيفية الاستجابة كان مؤلما لبعض الشركات أكثر من غيرها.
قال كونستانتين ألكسندراكيس، الرئيس التنفيذي لشركة راسل رينولدز، إن الشركات بداية من أصحاب الفنادق إلى مصنعي المواد الغذائية "تشعر أنها تتحمل مسؤولية تجاه موظفيها والمستهلكين في روسيا". وجدت دراسة استقصائية لقادة الأعمال أجرتها شركة البحث عن الكفاءات أن ثلثي الذين لديهم عمليات في روسيا لم يغلقوها.
قال مستشار آخر لشركات متعددة الجنسيات: "الأمر مختلف إذا كنت ’جوتشي‘ التي تبيع حقائب اليد. يمكنها بالفعل رؤية أنه تم إيقاف بطاقات الائتمان ولن يحدث تسوق للسلع الفارهة على أي حال".
الشركات التي لديها عمليات تصنيع مجدية في روسيا كانت في وضع أصعب بشكل ملحوظ، بعد تهديد بوتين بأن موسكو يمكن أن تؤمم الشركات والأصول التي خلفتها الشركات الغربية.
سأل شخص: "إذا كان لديك أصل ضخم هناك، هل تريد أن تستحوذ عليه الحكومة الروسية؟"
ديل بكنر، الرئيس التنفيذي لمجموعة جلوبال جارديان الأمنية، التي أجلت أكثر من ألفي موظف من عملائها من روسيا، قال إنها كانت تدير أيضا "مهمات استرجاع" لاستخراج المعدات التي يخشى العملاء من وقوعها في أيدي الدولة.
قال بكنر إنه كان يعمل مع ثماني شركات مدرجة في قائمة ييل، ويخشى كثير منها أيضا على أمان أصولها الرقمية، بما في ذلك الخوادم في روسيا التي قد تعرضها لهجمات إلكترونية. أضاف أن العملاء قطعوا الآن وصول بعض الموظفين الروس إلى بياناتهم الرقمية، متسائلا: "هل هم متعاطفون مع الشركة أم متعاطفون مع روسيا؟"
وجد بعض مجموعات الخدمات الغربية مشترين لأعمالها في روسيا، بما في ذلك كوشمان آند ويكفيلد، مستشار العقارات، الذي أعلن مثل هذه الاتفاقية الأسبوع الماضي.
رغم ذلك، يواجه آخرون عقبات أثناء محاولتهم تنظيم عمليات الاستحواذ من قبل الإدارة المحلية، لأن كثيرا من المقرضين الروس الذين ربما مولوا مثل هذه الصفقات وقعوا تحت للعقوبات الغربية، في حين أن كثيرا من شركات المحاماة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لم تعد تشعر بالراحة في هيكلة الاتفاقات.
في حين أن معظم الشركات قد وجدت طرقا لمواصلة دفع رواتب الموظفين الروس رغم القيود المفروضة على إرسال الأموال إلى بعض أكبر المقرضين في روسيا، إلا أن كثيرا منها تكافح لنقل الأموال النقدية والأصول الأخرى خارج البلاد.
قال الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات العاملة في روسيا: "إذا كانت لديك أصول نقدية، فأنت في ورطة. لا توجد طريقة بسيطة لإخراجها".
مثل هذه المخاوف تشغل بال المديرين التنفيذيين في الوقت الذي يستنتج فيه كثير منهم أنه لن تكون هناك عودة سريعة إلى السوق الروسية.
قال أمير أجداي، الرئيس التنفيذي لشركة إنفستا هولدينجز المختصة بمستلزمات طب الأسنان، في مؤتمر الأسبوع الماضي إن الشركة واجهت تحديات "هائلة" في الحفاظ على أعمالها التي تحقق 100 مليون دولار سنويا في روسيا.
قال: "نحن قادرون على بيع ما لدينا، لكن إدخال منتج إلى روسيا أصبح مهمة صعبة بالفعل بالنسبة لنا"، مضيفا أنه لم يكن يتوقع حلا على المدى القصير. "هذا تحد سنتعامل معه، ليس فقط في 2022، لكن خلال فترة أطول بكثير."
قالت شركة هيلكس إنترناشيونال، وهي شركة أمنية ساعدت العملاء أيضا على إجلاء المغتربين وإيقاف وصول بعض الموظفين الروس إلى أنظمتهم، "ليس هناك ما يشير إلى أن عملاءنا سيعودون في غضون شهر".
من المرجح أن يترك هذا كثيرا من الشركات تواجه مشكلات مماثلة لبونداروف، ما يدفع البعض إلى إغلاق شركاتهم في روسيا بالكامل. قال ستيفن فوكس، مؤسس شركة فيراستي ورلدوايد لاستشارات المخاطر السياسية، إن تسريح الموظفين المحليين سيعرضهم لمخاطر جديدة تتعلق بسمعتهم عندما يفعلون ذلك. لكنه أضاف: "العامة تدرك أن هناك عواقب والحل الأفضل كان الخروج".