رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


التفرغ الصناعي

يعد التفرغ العلمي Sabbatical Leave إحدى المزايا التي يتمتع بها عضو هيئة التدريس وتمنحه الجامعة عادة ليتفرغ العضو تماما من التزاماته التدريسية وأنشطته الصفية التي يمارسها عادة للقيام بإجراء أبحاث ودراسات علمية نظرية وتطبيقية وتأليف كتب في مجال تخصصه. ودرجت الجامعات السعودية على سن لائحة منظمة في هذا الخصوص لمنسوبيها من أعضاء هيئة التدريس ومن في حكمهم بناء على نظام الجامعات الحالي وكذلك نظام التعليم العالي السابق. وعليه يحصل عضو هيئة التدريس على إجازة تفرغ علمي لمدة فصل أو عام دراسي بقرار من مجلس الجامعة والمبني أساسا على توصية من مجلسي الكلية والقسم المختصين والمجلس العلمي، إضافة إلى التأكد من شروط وضوابط أخرى. ويكمن الهدف الأسمى من التفرغ العلمي في تطوير قدرات عضو هيئة التدريس العلمية والبحثية من خلال الاستفادة من خبرات وتجارب الآخرين في المؤسسات العلمية والأكاديمية ومراكز البحوث المختلفة في أنحاء العالم. ويعد التفرغ العلمي ممارسة عالمية معروفة في عموم الجامعات بيد أن كل جامعة تسن الضوابط والاشتراطات حسب الرؤى والأهداف التي تراها مناسبة.
لكن من المشاهد أن التفرغ العلمي لا يكون في محفل صناعي، حيث يستطيع عضو هيئة التدريس الاحتكاك مع أهل الصناعة. وعليه تقوم مبادرة المقال على إنشاء مفهوم جديد وهو التفرغ الصناعي وهو قريب من تعريف التفرغ العلمي لكن يقضي عضو هيئة التدريس أو الباحث جزءا من وقته الأكاديمي بما لا يقل عن عام كامل في القطاع الصناعي، من غير أن تكون له مهام تدريس أو إدارية في الجامعة. وسيكون لها الأثر الجيد في فتح أبواب بحثية وتطبيقات عملية في المقررات الأكاديمية التي سيقوم عضو هيئة التدريس بتدريسها ونقلها إلى الطلاب لاحقا وعليه المساعدة في ردم جزء من الفجوة بين مخرجات التأهيل الأكاديمي وما تتطلبه سوق العمل الصناعي من مؤهلات وقدرات تلبي متطلباته وتطلعاته. هذا إضافة إلى رفع مهارات عضو هيئة التدريس، خصوصا استخدام اللغة المتداولة عند أهل الصناعة خلال عملهم. وبلا شك فإن الشركات الصناعية ذات المعامل ودور البحوث والتطوير ستكون هدفا رائعا مثل شركة أرامكو وسابك والكهرباء والتحلية والاتصالات ومعادن وغيرها وقد تكون خارج المملكة إذا توافر القطاع الصناعي المناسب. الجدير بالذكر أن التفرغ العلمي يشترط أن يقضي عضو هيئة التدريس عددا من الأعوام - تقارب خمسة أعوام على الأقل - قبل أن يسمح له بالتقديم على التفرغ العلمي، وبالتالي لا يستهدف أعضاء هيئة التدريس الجدد. لكن تعطى الأولوية إلى عضو هيئة التدريس الجديد للتقديم على التفرغ الصناعي وأن يبدأ حياته العملية ويطعم أفكاره البحثية بالاحتكاك مع أهل الصناعة، حيث يعامل كأحد الموظفين في الشركة. وحيث إن بعض الشركات تتبع سياسة برنامج التطوير المهني Professional Development Program (PDP) فقد يكون مناسبا في انخراط عضو هيئة التدريس بها ويتم تدوير عضو هيئة التدريس على قطاعات المنظمة الصناعية ويمضي بها مدة من الزمن وقد تطول أكثر من عام إذا تطلب الأمر. وبالمناسبة يعد تعاون القطاع الصناعي في هذا البرنامج من باب المسؤولية الاجتماعية والمساهمة في تطوير الكفاءات الوطنية، وستنعكس إيجابا على مخرجات التعليم، حيث يستطيع الطالب فهم عموم الصناعة من خلال التجارب التي اكتسبها عضو هيئة التدريس من خلال المحاضرات أو إعداد المقترح البحثي لرسائل الدراسات العليا أو مشاريع التخرج، وبالمقابل تستفيد الشركات الصناعية من تقليل تكلفة تدريب الموظف الجديد "الطالب الخريج حديثا" وعادة ما تقوم الشركات باستحداث منصات تعليمية بعد التخرج والتخلص من بعض التكاليف المالية المصاحبة. إضافة إلى استفادة عضو هيئة التدريس في توسيع مداركه العلمية والبحثية وفتح قنوات مباشرة مع أهل الصناعة، حيث سيكون خير سفير لهذه الشركة عند رجوعه إلى الجامعة. يستهدف برنامج التفرغ الصناعي ربط الشركات العاملة بالصناعات الاستراتيجية بشكل أخص مع الجامعات، مثل الطاقة والمياه والبتروكيماويات والغذاء والدواء والإسكان والأمن والاتصالات وتقنية المعلومات والخدمات البنكية والمصرفية وغيرها، أو ما أدرج ضمن برنامج تطوير الصناعات الوطنية والخدمات اللوجستية، مثل تحلية المياه والاستزراع المائي والسمكي والتعدين والطيران والصناعات العسكرية وغيرها. لكن لا يمكن لهذا البرنامج أن يكون له واقع ملموس إلا من خلال توافق بين وزارة التعليم ووزارة الصناعة والثروة المعدنية ثم بسط مفهوم المبادرة على عموم الجامعات من ناحية ووزارة التعليم وعموم الشركات الصناعية من ناحية وزارة الصناعة والثروة المعدنية. وبالطبع سيكون لبقية الوزارات دور جوهري في تفعيل مبادرة التفرغ الصناعي مثل وزارة الطاقة ووزارة البيئة والمياه والزراعة ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات ووزارة النقل وغيرها، حيث تلتحق الشركات التي تتبع لها في لائحة الشركات الصناعية التي ستستقبل أعضاء هيئة التدريس. لكن يجب أن يحكم برنامج التفرغ الصناعي بضوابط وقواعد منظمة تماما كما هو المتبع والمعمول به في التفرغ العلمي، وقد تسن بالمشاركة بين الجامعات وقطاع الصناعة بما يخدم الطرفين. ورغم سهولة القول وسلاسة اللسان في تقديم برنامج التفرغ الصناعي كما ذكر آنفا، سيكون من التحديات والتفاصيل التي يجب حلها بما يخدم الهدف الأسمى مثل تقييم عضو هيئة التدريس في تجربته ومدى الاستفادة والانخراط في العمل الصناعي وغيرها.
في الختام، إن التعاون بين قطاعي التعليم والصناعة ستتمخض عنه مكاسب ومزايا لكلا الطرفين ولذلك ركزت رؤية المملكة 2030 في خططها الاستراتيجية وبرامجها الوطنية على ردم الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل الصناعي. وسيسهم برنامج التفرغ الصناعي في تلبية رغبات الصناعيين وتخفيض معدلات البطالة بين أوساط الخريجين وتأهيل قدرات صناعية مؤهلة إلى جانب تزويد عضو هيئة التدريس بالخبرات العملية والصناعية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي