بيانات تخترق واستثمارات تنمو

حتى قبل تفشي وباء كورونا الذي دفع الناس إلى استخدام الشبكة الدولية "الإنترنت" في معظم الخدمات التي يحتاجون إليها، كانت صناعة الأمن السيبراني تشهد نموا كبيرا، ويعود السبب في ذلك إلى اتساع رقعة الخدمات الإلكترونية في كل الميادين، حتى إنها دفعت بأعمال للخروج من السوق لأنها لم تعد قادرة على المنافسة في الساحة الإلكترونية.
مع تفشي كورونا زاد الاعتماد على الإنترنت حتى في العلاج عن بعد، والتعليم، ما وسع نطاق المخاطر التي تستهدف الشبكة الدولية، وهذه المخاطر موجودة في الواقع منذ أن بدأت الإنترنت حضورها على الساحة العالمية.
لكن مع اتساع نطاق الاستخدامات اتسعت بالضرورة رقعة هذه المخاطر، بما في ذلك اختراقات الحسابات الخاصة والعامة، والوصول إلى مصادر معلومات حساسة.
كان من الطبيعي انتعاش ما يمكن وصفه بصناعة "الأمن السيبراني"، بينما لا تتوقف زيادة ارتباط الأعمال والأنشطة المختلفة بالشبكة، بما في ذلك أيضا قيام أعمال جديدة تقوم فقط على الخدمات عبر الشبكة الدولية.
في الأعوام الماضية، ارتفعت حدة الخدمات الإلكترونية في مؤسسات تجارية ومصرفية، إضافة إلى القرصنة التي تستهدف الأفراد الذين يمكن أن يوفر الهجوم عليهم عوائد مالية أو معلومات.
الهجمات الإلكترونية تنتج بالضرورة خسائر فادحة للجهات المستهدفة، حتى إن بعض المؤسسات بدأت تجنب بعض الأموال لمواجهة هذه الخسائر في بياناتها المالية السنوية. الإنفاق على الأمن السيبراني لم يعد خيارا، بل واجب على أي جهة تريد أن تتحصن من القرصنة الإلكترونية بشكل عام، ومخاطر الهجمات المشار إليها تشمل البنى التحتية وسلاسل التوريد، ما يرفع من حجم الضغوط على الاقتصاد العالمي الذي يعاني أصلا أزمة خطيرة بفعل آثار الجائحة، والحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا حاليا.
التقديرات متفاوتة فيما يتعلق بحجم صناعة الأمن السيبراني، والخسائر الكبيرة الناتجة عن القرصنة، والهجمات الإلكترونية، لكن المؤكد أن هذه الصناعة ترتفع بسرعة شديدة، والخسائر تزداد أيضا، فوفق مؤسسة جراند فيو ريسيرش Grand View Research، سيتجاوز حجم السوق العالمية لصناعة الأمن السيبراني 326 مليار دولار بحلول 2027، بنمو بلغ 10 في المائة.
وتتمتع أسهم الشركات المختصة في هذا الميدان بقوة كبيرة، والأمثلة كثيرة في هذا المجال، ما جعل أسهم الشركات المختصة تستقطب مزيدا من الاستثمار فيها على المستوى العالمي، وهذا أمر يبدو طبيعيا إذا ما عرفنا أن عدد الأجهزة المتصلة بالإنترنت حول العالم يبلغ 14.6 مليار جهاز حتى نهاية العام الماضي، في ظل توقعات بأن ينمو هذا العدد 18 في المائة بحلول نهاية العام الجاري.
ولأن الأمر كذلك، فقد دلت المؤشرات على حدوث هجوم إلكتروني كل 11 ثانية في العام الجاري مقابل هجوم واحد كل 40 ثانية في العام الماضي.
وتيرة القرصنة والهجمات الإلكترونية تتسارع وتتنوع وتنمو، والشركات تأخذ في الحسبان هذه الحقيقة، وكذلك الجهات الحكومية حول العالم، وتكفي الإشارة إلى أن متوسط تكلفة الهجوم السيبراني الواحد يصل إلى 133 ألف دولار، وهذا يختلف بالطبع من جهة أو أخرى.
كل هذا يدفع الجهات المستهدفة إلى رفع مستوى إنفاقها على الأمن السيبراني كل عام، والحفاظ على بياناتها، وبالتالي على مصداقيتها أمام عملائها، وزبائنها، والمتعاملين معها بشكل عام، فتكاليف الجرائم الإلكترونية سترتفع 15 في المائة سنويا لتصل إلى 10.5 تريليون دولار بحلول 2025، وهذا الرقم يساوي 9 في المائة تقريبا من حجم الناتج الإجمالي العالمي، ما يضع الاقتصاد العالمي تحت مزيد من الضغوط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي