«المستهلك» .. لنظام أكثر إنصافا

المتأمل في مشروع نظام حماية المستهلك الذي طرحته وزارة التجارة لأخذ آراء العموم بشأنه، يجد أنه ليس الأول من نوعه في هذا الشأن، إذ سبقه عديد من الأنظمة مثل تنظيم جمعية حماية المستهلك ونظامي مكافحة الغش التجاري، والتجارة الإلكترونية، الذي سيحل بدلا عنهما مع صدوره بشكل رسمي. ورغم تلك الأنظمة إلا أننا نجد تفاوتا وتباينا في مدى فاعليتها على الواقع، وهو ما يطرح التساؤل: إلى أي مدى سيسهم النظام الجديد في تغيير الواقع، وإحداث فارق ملموس فيما يتعلق بحماية المستهلكين؟
صحيح أن جمعية حماية المستهلك تهدف إلى العناية بشؤون المستهلك ورعاية حقوقه والدفاع عنها، ونشر الوعي الاستهلاكي لدى المستهلك، لكن أقصى ما منحها التنظيم هو تلقي شكاوى المستهلك، المتعلقة بالاحتيال والغش والتدليس والتلاعب في السلع أو الخدمات والمغالاة في أسعارهما، والتضليل عن طريق الإعلانات في وسائل الإعلام، خصوصا مواقع التواصل الاجتماعي، والرفع إلى الجهات المختصة ومتابعتها.
الأمر نفسه يتعلق بنظام التجارة الإلكترونية، حيث جاءت بعض الإشارات لحماية المستهلك في غير سياق متصل، ومن ذلك ما نصت عليه المادة الخامسة من ذلك النظام والمتعلقة بحق الاحتفاظ بحماية البيانات الشخصية للمستهلك أو اتصالاته الإلكترونية، التي تكون في عهدته أو تحت سيطرة الجهات التي يتعامل معها أو مع وكلائها، وما تضمنته المادة الـ11 من النظام ذاته بشأن تضمين الإعلان الإلكتروني عرضا أو بيانا أو ادعاء كاذبا أو مصوغا بعبارات من شأنها أن تؤدي بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى خداع المستهلك أو تضليله، أو تضمينه شعارا أو علامة تجارية لا يملك موفر الخدمة حق استعمالها، أو علامة مقلدة.
بينما جاء نظام مكافحة الغش التجاري بالتركيز على هذا المفهوم بشكل مستقل، ومن ذلك المادة الثانية التي حددت الغش في كل ما يعد من الخداع، سواء بشأن ذاتية المنتج، أو طبيعته، أو جنسه، أو نوعه، أو عناصره، أو صفاته الجوهرية أو مصدر المنتج أو الوزن، أو الكيل، أو المقاس، أو العدد، أو الطاقة، أو العيار، كما عد النظام أن من جرائم الغش التجاري كل من صنع منتجات مخالفة للمواصفات القياسية المعتمدة، أو أنتجها أو حازها، أو باعها، أو عرضها.
رغم وضوح هذه الأنظمة، فإن مفهوم اتساقها وترابطها بشأن موضوع حماية المستهلك بذاته، وآليات تحقيقه ظلت تمثل فراغا تشريعيا.
بالعودة إلى مشروع النظام الجديد لحماية المستهلك، فقد وسع نطاق عمل جمعية حماية المستهلكين، وجعل دورها فاعلا وليس مجرد جهة لتلقي الشكاوى، وهو ما كان يطمح إليه المستهلكون، حيث منحها حق إقامة الدعاوى أمام المحاكم المختصة للمطالبة بالتعويض عن الأضرار المتعلقة بالحقوق والمصالح الجماعية للمستهلكين، وفقا للمادة الـ73 التي نصت على "أن لجمعيات المستهلكين الانضمام إلى الدعاوى القائمة ضد مخالفي أحكام النظام واللائحة، والمطالبة بالتعويض عن الأضرار المتعلقة بالحقوق والمصالح الجماعية للمستهلكين عند ثبوت الإدانة".
توسيع الرقابة أبرز ما نص عليه مشروع النظام الجديد، حيث منحت المادة الـ63 جمعيات المستهلكين والغرف التجارية حق رفع دعوى لوقف أو منع أي ممارسة مخالفة، وهذا ما يفعل دور جمعيات حماية المستهلك ويمنحها ممكنات قانونية فعالة، ذلك أن النظام المعمول به حاليا قد حدد نطاقا مهما في الرفع للجهات المختصة فقط.
يعاني المستهلك الاحتكار والاستغلال من بعض الأسواق، إضافة إلى كثير من الممارسات التجارية المجحفة، وقد نص مشروع النظام الجديد على 16 منها، بينها الإعلان عن منتجات أو خدمات غير متوافرة، ولا يمكن توفيرها، والادعاء أن منتجا أو خدمة ما ستتوافر لمدة محدودة، أو بشروط معينة، أو بكمية محدودة، دون وجود كمية من المخزون تكفي لتلبية الطلب المتوقع جراء ذلك، وتقليص دورة حياة المنتج أو التأثير سلبا في كفاءته بعد مضي مدة معينة بغرض زيادة استهلاكه دون مبرر، كما عد ضمن الممارسات المجحفة، فرض شروط أو قيود مرهقة أو غير مبررة عند رغبة المستهلك في ممارسة حقوقه النظامية، مثل عبارات "البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل" ومن الإجحاف أيضا تحميل المستهلك رسوما تزيد على تلك التي يتحملها المشغل الاقتصادي عند استخدام وسيلة دفع معينة.
لقد نصت مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية لحماية المستهلك على معـايير للممارسـات تجاريـة سـليمة، ومن ذلك المعاملة العادلة والمنصـفة مع المستهلكين في جميع المراحل، وأن تكون جزءا لا يتجزأ مـن ثقافة الأعمال التجارية، ومن المعاملة المنصفة تجنب الممارسات، التي تضر بالمستهلكين. ومن معايير الأمم المتحدة التوجيهية حماية المستهلك من الممارسات غير القانونية أو المخلة بالأخلاق أو المنطويـة علـى تمييـز أو خـداع، مثـل أساليب التسـويق المسيئة، وكل ما يلحق ضـررا بالمسـتهلك، كما أكدت المعايير التوجيهية حق حصول المسـتهلكين على معلومات كاملـة ودقيقـة وغـير مضـللة عـن السلعة أو الخـدمة وأحكامهـا وشـروطها، ومـا يسـري مـن رسـوم والتكـاليف النهائيـة، وذلـك لتمكيـنهم مـن اتخـاذ قـرارات مسـتنيرة. ومن المعايير المهمة مسـاعدة المسـتهلكين علـى فهم المخاطر، بما فيها المخاطر المالية، كما شددت معايير الأمم المتحدة على حمايـة الخصوصـية وآليات معالجة الشكاوى وتحقيق تسوية عاجلة وعادلة وشفافة ومنخفضة التكلفة وسريعة وفعالة دون تحميل المستهلك تكاليف أو أعباء لا داعي لها. هذه المعايير الدولية والتوجيهات التي تتابعها "أونكتاد"، تعد أساسية في أنظمة وتشريعات حماية المستهلك، وتساعد على صياغة وإنفاذ القوانين والقواعـد والأنظمة المحلية والإقليمية، وتعزز التعاون في مجال حماية المستهلك على الصعيد الدولي فيما بين الدول الأعضاء. وقد أكدت وزارة التجارة أن مشروع نظام حماية المستهلك يهدف إلى تعزيز حماية حقوق المستهلكين في المملكة، وبما يتوافق مع المعايير والقواعد الدولية لحماية المستهلك، ومن ذلك وفقا لتوجيهات الأمم المتحدة لحماية المستهلك، بتحديد متطلبات الإفصاح للمستهلك عن معلومات المنتجات أو الخدمات، وبهذا يعد إعداد وتطوير نظام مستقل ومتكامل لحماية المستهلك التزاما بهذه المعايير الدولية وتحقيقا للتعاون الدولي، ما يعزز من مكانة المملكة الدولية وترتيبها في المؤشرات الاقتصادية العالمية، كما أن مثل هذا النظام يحقق للمنتجات السعودية نفاذا دوليا.
وركزت المادة الرابعة في مشروع النظام الجديد لحماية المستهلك على المبادئ التوجيهية الدولية بشأن حقوق المستهلك الأساسية ومن ذلك الحماية من المخاطر، التي تهدد حياته وصحته وسلامته والتوعية والتثقيف بالآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المترتبة على اختياراته وخصوصيته وحماية بياناته الشخصية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي