إلا الصوم

يطل علينا رمضان من جديد، وهو المذكر الأكبر لعموم المسلمين بالوحدة والتعاون والاهتمام بالأقل حظا في مختلف مجالات الحياة، ولئن كان الاهتمام بالطعام الذي هو عنصر الحياة البشرية الأهم الذي لا يمكن أن يحيا الإنسان بدونه، فذلك مذكر للعناية ببقية أمور المسلمين المحتاجين. هنا وقفات عديدة نحتاج إليها مع زخم الحياة والانشغال المستمر بأعبائها ومسؤولياتها التي تتراكم مع السن وزيادة المسؤوليات.
أهم ما نحتاج إلى مراجعته هو الالتزام الأساس بما يعنيه هذا الشهر الفضيل وبما يفرضه علينا من ممارسات هي في واقعها بانية للمجتمع وحامية لتماسكه وقوته في وجه صعوبات الحياة. ليس الإمساك عن الطعام والشراب الأمر الوحيد الذي تفرضه مفاهيم الشهر الفضيل، هما يمثلان فضيلة الصبر والسيطرة على الشهوات والرغبات، وهنا نعود إلى مراجعة مختلف الرغبات التي تتنازع الإنسان سواء كانت مادية أو معنوية أو أخلاقية، فنحن نعيش وسط مجتمع متطور ومتنامي الفرص والخدمات والرفاهية، وحين نقع ضحية البحث عن الملهيات نبتعد عن الضرورة الأساس التي من أجلها خلقنا ألا وهي إقامة الدين وعبادة رب العالمين.
كل العبادات لها حظ من التهذيب اللازم للمسلم وهي تبعده بكليتها عن الشهوانية واتباع الملذات، كمؤشر مهم نحو السيطرة على الحياة والتفاعل مع المفاهيم السامية بدل الانجراف وراء الرغبات والوقوع ضحية عدم ضبط السلوك. حياة الإنسان مبنية في الواقع على قدرته النسبية على السيطرة على رغباته وممارسة ما ينفعه حتى إن كان غير جاذب أو مريح.
ينطبق هذا على العمل والدراسة والصحة وغيرها من لوازم الحياة على هذه الأرض. هنا يتميز الشهر الفضيل بأنه الرابط الأهم بين المسلم وربه، وهو الدال على حجم سيطرة المرء على رغباته ووصوله إلى مرحلة الإيمان الكامل بأن ما يفعله لربه يكون بينه وبين ربه. الامتناع عن الشيء الذي يحبه المرء دون أن يهتم لكون أحد رآه من عدمه، هو ما ينشئ في قلب المؤمن وفي سلوكه مجموعة القيم الأهم من العناية بالفقير والاهتمام بالمحتاج ودعم التضامن الأسري والمجتمعي، والحرص على سلامة النفس والآخرين من المخاطر والعمل على بناء مجتمع صحي وراق تحكمه المبادئ والقيم التي يتبعها الناس دون أن يكونوا مجبرين على ذلك بقانون أو رقابة. فلرمضان الحب والتحية والترحيب وللمسلمين المباركة والتهنئة بما يحمله الشهر من معاني الخير وكم الأجور.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي