خسائر الحرب وفرص الأسواق

الحرب تثير القلق، فالحياة على المحك وشبح الموت يرى من بعيد، ومن المدهش أن الأمراض وحوادث الطرق اليومية تقتل أكثر مما تفعله الحروب، مع ذلك لا أحد يبدي القلق نفسه الذي يظهر مع كل إعلان للحرب.

ففي تقرير نشرته "الاقتصادية" منتصف الأسبوع، تتبع حالة القلق العامة التي تتسبب فيها الحروب وتنعكس بشكل خاص على الاقتصاد، أظهر أن الاقتصاد يتأثر بالقلق العام الذي ينشأ من الحرب ولكن في المقابل لا يتأثر الاقتصاد بالحرب نفسها، وهذه النتيجة قد تكون غير متوقعة فعلا، لكن الأرقام والتحليلات الاقتصادية للتأثيرات الاقتصادية للحروب تؤكد هذه النتيجة، فالقلق الذي يسبق الحرب يعد سببا رئيسا في إحداث التضخم، وفقا لدراسات حديثة، فاستعداد الدول للحرب يجعلها تستنفر في طلب الصناعة الحربية وتسريع الإنتاج وتطلب جنودا وأسلحة، ولمواجهة هذه التكاليف الإضافية يتم عادة فرض عديد من التشريعات الضريبية لضخ المقابل الذي يغطي قيمة هذه التكاليف الإضافية، ما يعني ارتفاع التضخم وتزايد حمى النشاط الاقتصادي، وكلما ارتفع الإنفاق الحكومي ارتفع صوت طبول الحرب وتزايد الطلب على السلع الأساسية، ما يضاعف الأسعار.

لذا، يمكن القول إن التضخم مؤشر من مؤشرات الحروب، فكلما تزايد التضخم وارتفع تأكدت عزيمة الدول على دخول الحرب، ذلك أن السمة الغالبة في جميع الحروب هي أنها تبدأ بطلب مرتفع على السلع الأساسية والغذائية بشكل خاص، وينتج عن ذلك ارتفاع في الحركة الاقتصادية على الرغم من تبعات الحرب، إلا أن هذا الطلب في الأغلب يكون مؤقتا ومحصورا في سلع معينة ولا يستمر عند المستويات نفسها.

هذه النتيجة تستحق النظر في السبب الذي يجعل الطلب يتراجع بعد موجة القلق، لكن الدراسات تؤكد أن القدرة على التنبؤ بمسار الحروب ترتفع لدى الأسواق عموما، كما أن الدول تسعى إلى ضمان استقرار الجبهة الداخلية لتوفير السلع كافة. وهذا الاستقرار السريع بعد اندلاع الحروب عموما ينعكس فورا على الأسواق المالية.

ورغم أن الحرب في بداياتها تقود إلى زيادة المعروض من الوظائف، نتيجة للآلة الصناعية الضخمة التي تغذي الجيوش من معدات وأسلحة وتقنيات، فإنه يجب ألا يفهم من ذلك أن الحروب تجلب الخير، بل تتسبب بعد توقفها في حالات بؤس كبيرة بين الناس.
فالأثر الكلي يكمن في الدمار الحقيقي الذي يحدث في الدول المتأثرة بالحروب والتكاليف اللازمة لإعادة الإعمار.

فالحرب بلا شك مليئة بالمآسي والآلام لكن أيضا ليست سببا في القلق الكبير الذي يصيب الأسواق المالية وليست دليلا على أن الحياة ستتوقف أو أن الإفلاس وشيك، فقد تبين باستقراء التاريخ أن الحياة اليومية تستمر وعجلات الاقتصاد تدور واقتناص الفرص متاح وتستطيع الأسواق امتصاص آثارها بسرعة، فيما يظل المعدن النفيس أقوى الملاذات قبل وأثناء اندلاع الحروب وأزمات التضخم، وأسعار النفط والطاقة، وتعد فرصا لا تعوض إلى جانب الصناديق المتداولة المختصة بالطاقة، وفي كل حرب فرص خاصة، سواء في التصنيع الحربي أو اللوجستي، أو حتى في سلع معينة مثل الأسمدة الزراعية التي كانت روسيا تتربع على عرشها.

فالعقوبات المقرة على روسيا تسببت في شح الحصول على هذه المادة، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها، وبالتالي ارتفاع أسعار الشركات العاملة فيها، كما أن هناك فرصة للفوز بحصص من الأسواق العالمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي