شركات المحاماة في المملكة المتحدة تعيد التفكير في التفرقة العمرية
يتطلع بريان إيجلز إلى العودة إلى مكتبه في ميفير لثلاثة أيام في الأسبوع، وكان يعمل لدى عميل أمريكي في عملية استحواذ على شركة إعلامية. يقول: "أفتقد وجودي في المكتب والألفة والضجيج. قبل الجائحة، كنت أذهب إلى المكتب لمدة أربعة أيام وأعمل خمسة - أحيانا كنت أعمل أيضا يومي السبت والأحد إذا أراد أحد العملاء شيئا ما. إنني أستمتع باستخدام عقلي والحفاظ على فكري متقدا".
هذا ليس غريبا بالنسبة إلى محام، لكن إيجلز - الذي تنوعت قائمة عملائه من نجوم هوليوود مثل ريتشارد بيرتون وإليزابيث تايلور إلى فرقة الروك "ذا سترانجلرز"- لا يزال يعمل مستشارا في شركة بورلينجتونز للمحاماة في لندن ويبلغ من العمر 85 عاما.
المحامون الذين لا يزالون يعملون وهم في الثمانينيات من عمرهم نادرون، خاصة في المملكة المتحدة التي تشتهر بشركات المحاماة التي تطرد المحامين الشركاء في منتصف الخمسينيات من عمرهم لإفساح المجال أمام المحامين الشباب الطموحين للانضمام إلى الشراكة المربحة للغاية. لكن هذا يتغير مع قيام شركات المحاماة الأمريكية ببناء شركات في لندن، الأمر الذي يزيد من حدة المعركة على المواهب.
في الولايات المتحدة، يعمل المحامون بانتظام بعد سن الـ70. لا يزال الخبير في حوكمة الشركات إيرا ميلستين، 95 عاما، يعمل شريكا في شركة ويل الأمريكية للمحاماة. ديفيد بويز، رئيس شركة بويز شيلر آند فليكسنر الذي عمل لمصلحة فرجينيا جويفر في دعواها القضائية ضد الأمير أندرو، يبلغ من العمر 81 عاما. يقال إن الراحل موردي روشلين كان لا يزال يعمل ثلاثة أيام في الأسبوع في مكتب بول ويس في نيويورك بعد أن بلغ الـ100 عام من عمره. نحو 21 في المائة من الشركاء في أكبر 200 شركة محاماة أمريكية تزيد أعمارهم على 60 عاما، وفقا لشركة ليبارد سوليوشنز لتزويد بيانات السوق القانونية.
لكن في المملكة المتحدة، شكل المحامون الذين تزيد أعمارهم على 70 عاما 3 في المائة فقط من الشركاء، وفقا لبيانات في 2020 من جمعية القانون في إنجلترا وويلز، في حين كان متوسط عمر شريك محاماة في إنجلترا وويلز نحو 51 عاما للرجال و47.5 للنساء.
تتمسك كثير من شركات المحاماة في المملكة المتحدة بالمحامين الأكبر سنا بصفتهم مستشارين - ما يؤدي إلى إخراجهم من أسهم الشراكة مع السماح للشركة بالاستفادة من خبراتهم. يقول فيليب وود كيو سي، 79 عاما، الذي بدأ في "ألن آند أوفري" في 1967 وتنازل عن منصبه مستشارا عالميا خاصا في 2018: "الذين أرادوا البقاء يمكنهم العمل مستشارين (...) كان ذلك يعني أنه يمكن للشركات الاحتفاظ بالمهارات والأشخاص الذين لا يزالون مهتمين وليس عليها دفع الكثير لهم".
في حين أن التمييز على أساس السن غير قانوني في المملكة المتحدة منذ 2006، إلا أنه يمكن السماح به إذا أظهر صاحب العمل أنه مبرر، على عكس أشكال التمييز الأخرى مثل الجنس والعرق. مثلا في 2012، قضت المحكمة العليا في المملكة المتحدة بأن شركة محاماة صغيرة في كينت يمكنها إجبار الشريك ليزلي سيلدون، الذي كان عمره 65 عاما آنذاك، على التقاعد للسماح للمحامين الأصغر سنا بالتقدم.
لكن يبدو أن المشهد البريطاني بدأ يتغير. أحد العوامل هو قوانين التمييز على أساس السن الأكثر صرامة في المملكة المتحدة. كان هناك انخفاض في نسبة مكاتب المحاماة الإنجليزية التي تستخدم سن التقاعد الإلزامي في عقود الشراكة الخاصة بها من 74 في المائة في 2011 إلى 31 في المائة في 2019، وفقا لجمعية ممارسي الشراكة.
لكن نجاح شركات المحاماة الأمريكية التي أنشأت مكاتب في لندن أدى إلى الابتعاد عن نظام المكافآت المحض، حيث يتم دفع رواتب الشركاء في كبرى شركات المحاماة في المملكة المتحدة على أساس الوقت الذي قضوه في الخدمة، مع مكافآت متساوية لمن هم من الأقدمية نفسها. في كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، ابتعدت شركة كرافاث الأمريكية عن هذا الأمر، وتم إجراء تغييرات بواسطة شركات مثل "كليفورد تشانس" و"فريش فيلدز" و"ألن آند أوفري".
كان ينظر إلى تعويضات لوكستيب (وهو نظام مكافآت يعتمد على الأقدمية فقط) على أنها أداة لتشجيع الزمالة والمساواة. لكنه ولد أيضا شكاوى من أن الشركاء ذوي الأداء الضعيف، وكبار السن في كثير من الأحيان، على أعلى مستوى في مقياس الأقدمية، حيث يمكن أن يحققوا النجاح عن طريق العمل الشاق للزملاء، ولا يزالون يأخذون إلى منازلهم أكبر حصص من الأرباح. يتذكر ديفيد مورلي، الشريك الرئيس السابق في شركة ألن أند أوفري، حالة واحدة قبل بضعة أعوام حيث جلس شريك في مكتبه لمدة عامين وبابه مغلق ولم يقدم أي مطالبة بأجر ساعة واحدة. أثار هذا نقاشا حادا بين الذين كانوا يشعرون أن كونهم شركاء هو وظيفة مدى الحياة والذين كانوا يريدون فعل شيء ما.
تختار بعض شركات المحاماة الآن هيكل أجور، على غرار الولايات المتحدة، قائم على الجدارة لجذب الشركاء والاحتفاظ بهم. تقول كورين ستافيس، رئيسة الممارسات المهنية في مكتب المحاماة موريس تورنور جاردنر: "انتقلت مزيد من الشركات الآن إلى نموذج الأجر المختلط - مزيج من تعويضات لوكستيب والعناصر القائمة على الجدارة - ولديهم المزيد من المرونة ولا يرون حاجة إلى إخراج الأشخاص في الخمسينيات من العمر. بموجب النموذج الأمريكي، إذا كان الأشخاص يؤدون العمل في الثمانينيات من العمر، فلا يهم".
يوافقها مورلي على ذلك. يقول: "كان هناك تصور في شركات الحي المالي في لندن التقليدية أنه بمجرد وصول الشريك إلى أواخر منتصف الخمسينيات، فقد حان الوقت لإخراجه وفعل شيء آخر. الآن ربما تتعلق المسألة بالعمر بدرجة أقل وبالأداء بدرجة أكبر (...)لا يمكن أن يكون لديك شركاء يتمتعون بشعور من الاستحقاق يتاجرون أمجاد الماضي وشركاء آخرون ينظرون إلى ذلك ويعتقدون أنهم فقدوه".
مع ذلك، هذا التركيز الجديد على الأداء يمكن أن يردع بعض المحامين الأكبر سنا. هناك تقرير في 2015 عن المفارقة في تقاعد الشريك، نشرته شركتا جوماتي للاستشارات القانونية وبولتر بوين ويلثكير لإدارة الثروات، وجد أن بعض الشركاء "يختارون بأنفسهم" التقاعد. يرجع ذلك إلى مجموعة عوامل، من بينها التقدم في السن، والتعب، أو عدم الاهتمام، أو حسب تعبير أحد كبار الشركاء، لأنه ليس هناك سوى كثير من تغاريد العصافير التي يمكن أن تسمعها من نافذة مكتبك خلال حياتك".
يقول توني ويليامز، مدير "جوماتي": "الشركاء يعملون الآن لفترة أطول مما كانوا عليه قبل 15 عاما. لكن شركات المحاماة مدفوعة للغاية بالأداء، بالتالي فإن فرصة البقاء كشريك كامل في الأسهم تبقى فقط للذين لا يزالون قادرين على القيام بالعمل".
وجد التقرير أن شركات المحاماة الأمريكية تلعب أيضا على التصور القائل بأن نظيراتها في المملكة المتحدة تخرج شركائها في أواخر الخمسينيات من العمر، خاصة في لندن، ما يسمح لها بتوظيف شركاء ذوي جودة عالية في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من العمر - قبل بدء أي مناقشات بشأن التقاعد. في الواقع، يشير بعض المحامين إلى أن الشركات الأمريكية توظف شركاء أكبر سنا على أمل أن يتبعهم عملاؤهم إلى الشركة الجديدة وأن يتم منحهم لزملائهم الأصغر سنا عندما يحين الوقت.
أحد الأسباب التي تجعل خروج الشركاء حساسا للغاية في المملكة المتحدة هو الافتقار إلى طريق خروج مرسوم جيدا. على عكس كثير من شركات المحاسبة الكبرى التي تشجع كبار القادة على أن يصبحوا رؤساء للجان التدقيق مثلا، كثير من شركات المحاماة كانت سيئة في تشجيع المحترفين على التفكير في الحياة بعد العمل، وكان لدى بعض الشركاء تطلعات غير واقعية بأنهم يمكنهم الدخول في مناصب إدارية غير تنفيذية.
لكن شركات المحاماة "أصبحت أفضل كثيرا في هذا المجال"، كما تقول فيكتوريا توملينسون، المديرة السابقة في "إيرنست أند يونج" ومؤسسة شركة نكست-أب، التي تعمل مع شركات المحاماة وتدعم أصحاب العمل لمساعدة الموظفين على فهم تأثير التقاعد، مثلا من خلال عقد ورش العمل.
إيجلز نفسه ليس لديه خطط للتقاعد، يقول: "أنا أستمتع بالعمل (...) وإذا أصبح العمل روتينيا، فلن أقوم به بالتأكيد".